للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾. قال: فأخبَرنا الذي يَشاءُ لأهلِ الجنةِ، فقال: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾. ولم يُخْبِرْنا بالذى يَشاءُ لأهلِ النارِ (١).

وأولى هذه الأقوالِ في تأويلِ هذه الآية بالصوابِ القولُ الذي ذكَرْناه عن قتادةَ والضحاكِ، من أن ذلك استثناءٌ فى أهلِ التوحيدِ من أهلِ الكبائرِ أنه مُدْخِلُهم النارَ، فتاركُهم (٢) فيها أبدًا، إلا ما شاء من تركِهم فيها أقلَّ من ذلك، ثم يُخْرِجُهم منها فيُدْخِلُهم الجنةَ. كما (٣) قد بيَّنَّا في غيرِ هذا الموضعِ بما أغْنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (٤).

وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوالِ فى ذلك بالصحةِ؛ لأنَّ اللهَ، ﷿، قد أَوْعَد أهلَ الشركِ به الخلودَ في النارِ، وتَظاهَرَت بذلك الأخبارُ عن رسولِ اللهِ ، فغيرُ جائزٍ أن يكونَ استثناءً فى أهلِ الشركِ، وأن الأخبارَ قد تَواتَرَت عن رسولِ اللهِ أن اللهَ يُدْخِلُ قومًا مِن أهلِ الإيمانِ به بذنوبٍ أصابوها النارَ، ثم يُخْرِجُهم منها فيُدْخِلُهم الجنةَ، فغيرُ جائزٍ أن يكونَ ذلك استثناءً فى أهلِ التوحيدِ قبلَ دخولِها، مع صحةِ الأخبارِ عن رسولِ اللهِ بما ذكَرْنا، وأنّا إن جعَلْناه استثناءً في ذلك، كنا قد دخَلْنا في قولِ مَن يقولُ: لا يَدْخُلُ الجنةَ فاسقٌ، ولا النارَ مؤمنٌ. وذلك خلافُ مذاهبِ (٥) أهلِ العلمِ، وما جاءت به الأخبارُ عن رسولِ اللهِ ، فإذا فسَد هذانِ القولانِ (٦)، فلا قولَ قال به القُدْوةُ من أهلِ العلمِ إلا الثالثُ. ولأهلِ العربيةِ في


(١) ذكره ابن القيم فى حادى الأرواح ص ٢٦٦ عن المصنف.
(٢) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، س، ف، وفى م: "خالدين".
(٣) فى ص، م، ت ١، س، ف: "كذا".
(٤) ينظر ما تقدم ٧/ ٣٥٠.
(٥) في ت ٢: "يذهب".
(٦) في م: "الوجهان".