للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فذكَّرهم بذلك جلّ ذكرُه كثرةَ (١) اختلافِ آبائِهم، وسُوءَ استقامةِ أسلافِهم لأنبيائِهم، مع كثرةِ مُعاينتِهم مِن آياتِ اللهِ وعِبَرِه (٢) ما تَثْلُجُ (٣) بأقلِّها الصدورُ، وتَطْمَئِنُّ بالتصديقِ معها النفوسُ، وذلك مع تَتابُعِ الحُجَجِ عليهم، وسُبوغِ النِّعَمِ مِن اللهِ لديهم، وهم مع ذلك مرةً يَسْألون نبيَّهم أن يَجْعَلَ لهم إلهًا غيرَ اللهِ، ومرَّةً يَعْبُدون العِجْلَ مِن دونِ اللهِ، ومرةً يقولون: لن (٤) نُصَدِّقَك حتى نَرَى اللهَ جَهْرةً. وأخرى يقولون له إذا دُعُوا إلى القتالِ: اذْهَبْ أنت وربُّك فقاتِلا إنا ههنا قاعِدُون. ومرةً يُقالُ لهم: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ﴾ [البقرة: ٥٨]. فيقولون: حِنْطةٌ في شَعيرةٍ. ويَدْخُلون البابَ مِن قِبَلِ أَسْتاهِهِم، مع غيرِ ذلك مِن أفعالِهم التى آذَوْا بها نبيَّهم التى يَكْثُرُ إحْصاؤُها.

فأعْلَمَ ربُّنا تبارك اسمُه وتعالى ذكرُه الذين خاطَبَهم بهذه الآياتِ مِن يهودِ بنى إسرائيلَ الذين كانوا بينَ ظَهْرانَيْ مُهاجَرِ رسولِ اللهِ ، أنهم لن يَعْدُوا أن يَكُونوا -في تكذيبِهم محمدًا ، وجُحودِهم نبوَّتَه، وتركهم الإقرارَ به، وبما جاء به، مع علمِهم به، ومعرفتِهم بحقيقةِ أمرِه- كأسْلافِهم وآبائِهم الذين [قصَّ اللهُ] (٥) عليهم قَصَصَهم في ارْتِدادِهم عن دينِهم مرةً بعدَ أخرى، وتَوَثُّبِهم على نبيِّهم موسى صلوات اللهِ وسلامُه عليه تارةً بعدَ أخرى، مع عظيمِ بَلاءِ اللهِ عندَهم، وسُبوغِ آلائِه عليهم.


(١) سقط من: ر، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) في الأصل، ت ٣: "غيره".
(٣) ثلِجت نفسى بالشئِ ثَلَجا، وثلَجت، تثلُج وتثلَج ثلوجا: اشتَفَتْ به واطمأنت إليه. اللسان (ث ل ج).
(٤) في ر، م: "لا".
(٥) في ر، م، ت ١، ت ٣: "فصل"، وفى ت ٢: "فصل الله".