للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوسُفَ يوسفَ بثمنٍ بخسٍ. وذلك أن الله ﷿ قد أَخْبَر عن الذين اشْتَرَوه أنهم أسَرُّوا شراءَ يوسُفَ مِن أصحابهم (١)؛ خيفةَ أن يَسْتَشْرِكوهم (٢) بادِّعائهم أنه بضاعةٌ، ولم يقولوا ذلك إلا رغبة فيه أن يَخْلُص لهم دونَهم، واستِرْخاصًا لثمنِه الذى ابْتاعوه به؛ لأنهم ابتاعوه كما قال جلّ ثناؤُه: ﴿بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾. ولو كان مُبتاعوه من إخوتِه فيه من الزاهدين، لم يَكُنْ لقيلهم لرفقائهم: هو بضاعةٌ. معنًى، ولا كان لشرائهم إياه. وهم فيه من الزاهدين وجهٌ، إلا أن يكونوا كانوا مغلوبًا على عقولهم؛ لأنه محالٌ أن يَشْتَرِى صحيحُ العقل ما هو فيه زاهد، من غير إكراه مُكْرِهٍ له عليه، ثم يَكْذِبَ فى أمره الناس بأن يقول: هو بضاعةٌ لم أَشْتَرِه. مع زهده فيه، بل هذا القولُ مِن قولِ مَن هو بسلعتِه (٣) ضَنينٌ؛ لنفاستها عندَه، ولما يَرْجُو مِن نفيسِ الثمنِ لها وفضلِ الربحِ.

وأما قوله: ﴿بَخْسٍ﴾. فإنه يعنى: نَقْصٍ. وهو مصدر من قول القائل: بخَسْتُ فلانًا حقَّه -إذا ظلمَه (٤) فنقصه عما يَجِبُ له مِن الوفاءِ- أَبْخَسُه بَخْسًا. ومنه قوله: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ [الأعراف: ٨٥]. وإنما أُريد: بثمنٍ مَبْخوسٍ مَنْقوصٍ، فوُضِع البخسُ وهو مصدرٌ، مكان "مفعولٍ"، كما قيل: ﴿بِدَمٍ كَذِبٍ﴾. وإنما هو: بدمٍ مكذوبٍ فيه.

واخْتَلَف أهل التأويل فى معنى ذلك؛ فقال بعضُهم: قيل: ﴿بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾. لأنه كان حرامًا عليهم.


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س: "أصحابه".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، س: "يستشركهم".
(٣) في ص، ت ١، س، ف: "لسلعته".
(٤) فى م: "ظلمته يعني ظلمه".