للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: بل ابْتلاهم اللهُ بذلك، ليُعَرِّفَهم موضعَ نعمتِه عليهم، بصَفْحِه عنهم، وترْكِه عقوبتَهم (١) عليه في الآخرةِ.

وقال آخرون: بلِ ابْتَلاهم بذلك؛ ليَجْعَلَهم أئمةً (٢) لأهل الذنوبِ في رَجاءِ رحمةِ اللهِ، وتركِ الإياسِ من عفوِه عنهم إذا تابوا.

وأما آخرون، ممَّن خالَف أقوالَ السلفِ، وتأوَّلوا القرآنَ بآرائِهم، فإنهم قالوا في ذلك أقوالًا مختلفةً؛ فقال بعضُهم: معناه: ولقد همَّت المرأةُ بيوسُفَ، وهمَّ بها يوسُفُ أن يَضْرِبَها، أو يَنالَها بمكروهٍ، لهمِّها به مما أرادتْه مِن المكروهِ، لولا أن يوسفَ رأَى برهانَ ربِّه، وكفَّه ذلك عما همَّ به مِن أذاها، لا (٣) أنها ارْتَدَعَت مِن قِبل نفسِها، قالوا: والشاهدُ على صحةِ ذلك قولُه: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾. قالوا: فالسوءُ (٤) هو ما كان همَّ به مِن أذاها، وهو غيرُ الفحشاءِ.

وقال آخرون منهم: معنى الكلامِ: ولقد همَّت به، فتَناهَى الخبرُ عنها، ثم ابْتُدِئ الخبرُ عن يوسُفَ، فقيل: وهمَّ بها يوسُفُ لولا أن رأَى برهانَ ربِّه، كأنهم وجَّهوا معنى الكلامِ إلى أن يوسُفَ لم يَهُمَّ بها، وأن الله إنما أخْبر أن يوسُفَ لولا رؤيتُه برهانَ ربِّه لَهمَّ بها، ولكنه رأَى برهانَ ربِّه فلم يَهُمَّ بها، كما قيل: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٨٣].

ويُفْسِدُ هذين القولين أن العربَ لا تُقَدِّمُ جوابَ "لولا" قبلَها، لا تقولُ: لقد قمتُ (٥) لولا زيدٌ. وهى تريدُ: لولا زيدٌ لقد قمتُ، هذا مع خلافِهما جميعَ أهلِ


(١) في م، ص، ت ٢، س، ف: "عقوبته".
(٢) في ت ٢: "آية ".
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "إلا".
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "افليس".
(٥) في ت ١، ت ٢، س: "فهمت".