للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿مَا هَذَا بَشَرًا﴾. يقولُ: قلن: ما هذا ببشرٍ (١). لأنهن لم يَرَيْنَ في حُسنِ صورته من البشر أحدًا، فقلن: لو كان من البشرِ لكان كبعضِ ما رأينا من صورةِ البشرِ، ولكنه من الملائكةِ لا من البشرِ.

كما حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قولِه: ﴿وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا﴾: ما هكذا تكونُ البشرُ (٢)

وبهذه القراءِة قرَأ (٣) عامَّةُ قرأَةِ (٤) الأمصارِ.

وقد حُدِّثت عن يحيى بن زيادٍ الفرَّاءِ، قال: ثنى دِعامةُ بنُ رجاءٍ التَّيْمِيُّ - وكان غرًّا - عن أبي الحُوَيرثِ الحنفيِّ أنه قرَأ: (ما هذا بِشِرًى). أي: ما هذا بمُشْتَرًى (٥).

يريدُ بذلك أنهن أَنْكَرن أن يكون مثله مستعبَدًا يُشْتَرى ويُباعُ.

وهذه قراءةٌ (٦) لا أستجيزُ القراءةَ بها؛ لإجماعِ قرأةِ الأمصارِ على خلافِها. وقد بيَّنا أن ما أَجْمعت عليه فغيرُ جائزٍ خلافُها فيه.

وأما نصبُ "البشرِ"، فمن لغةِ أهلِ الحجازِ، إذا أَسْقَطوا الباءَ من الخبرِ نصَبوه، فقالوا: ما عمرٌو قائمًا. وأما أهلُ نجدٍ، فإن من لغتِهم رفعَه، يقولون: ما عمرٌو قائمٌ. ومنه قولُ بعضِهم حيث يقولُ (٧):


(١) في م: "بشرًا".
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ١٦ إلى المصنف وأبى الشيخ.
(٣) في ص، ت ٢، س، ف: "قرأت".
(٤) سقط من: ص، ت، س، ف.
(٥) معاني القرآن للفراء ٢/ ٤٤.
(٦) في م، ت ١، ت ٢، س، ف: "القراءة".
(٧) معاني القرآن للفراء ٢/ ٤٢، ٤٣، ونسب البيت الثاني في شرح التصريح ١/ ١٨٠ إلى الفرزدق، وليس في ديوانه