للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِمَّا تُحْصِنُونَ﴾ - لأنهما قراءتان مُسْتَفِيضتان في قرأةِ الأمصارِ باتفاقِ المعنى، وإن اخْتَلَفت الألفاظُ بهما. وذلك أن المخاطَبِين بذلك كان لا شكَّ أنهم إذا (١) أُغِيثوا وعصَروا، أُغِيث الناسُ الذين كانوا بناحيتِهم وعصَروا، وكذلك كانوا إذا أُغِيث الناسُ بناحيتِهم وعصَروا، أُغِيث المخاطَبون وعصَروا. فهما متفقتا المعنى، وإن اخْتَلَفَت الألفاظُ بقراءةِ ذلك.

وكان بعضُ مَن لا علمَ له بأقوالِ السلفِ مِن أهلِ التأويلِ، ممن يُفَسِّرُ القرآنَ برأيِه على مذهبِ كلامِ العربِ، يُوَجِّهُ معنى قولِه: ﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾. إلى: وفيه يَنْجُون من الجَدْبِ والقَحْطِ بالغَيْثِ، ويَزْعُمُ أَنه مِن العَصَرِ، والعَصَرُ التي بمعنى المَنْجاةِ، مِن قولِ أبى زُبَيْدٍ الطائيِّ (٢):

صادِيًا يَسْتَغِيثُ غيرَ مُغاثٍ … ولقد كان عُصْرةَ المنجودِ (٣)

أي: المقهورِ، ومِن (٤) قولِ لَبيدٍ (٥):

فبات [وأسْرَى] (٦) القومُ آخرَ ليلِهم … وما كان وَفَّافًا بغيرِ مُعَصَّرٍ (٧)

وذلك تأويلٌ يَكْفِى (٨) مِن الشهادةِ على خطئِه (٩) خلافُه قولَ جميعٍ أهلِ العلمِ مِن الصحابةِ والتابعين.


(١) سقط من: م.
(٢) البيت في أمالى اليزيدى ص ٨، وجمهرة أشعار العرب ٢/ ٧٣٣، واللسان (ن ج د).
(٣) في ص، م: "الجنود". المنجود: الهالك والمغلوب. التاج (ن ج د).
(٤) في ت ٢: "منه".
(٥) البيت في شرح ديوان لبيد ص ٤٩، والتاج (ع ص ر)، وشطره الثاني في اللسان (ع ص ر).
(٦) في ت ١: "فأسرى".
(٧) في ت ١، س، ف: "مصير".
(٨) في ت ١، س: "يلقى".
(٩) في ت ١، ت ٢، س، ف: "خطابه".