للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ تعالى ذكرُه: ولما فتَح إخوةُ يوسُفَ متاعَهم الذي حمَلوه مِن مصرَ مِن عندِ يوسُفَ ﴿وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ﴾، وذلك ثمنُ الطعامِ الذي اكْتالوه منه، ﴿رُدَّتْ إِلَيْهِمْ﴾، قالوا: ﴿يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا﴾. يعنى أنهم قالوا لأبيهم: ماذا نَبْغى؟ هذه بضاعتُنا رُدَّت إلينا. تَطْييبًا منهم لنفسِه (١)، بما صُنِع [بهم في ردِّ] (٢) بضاعتِهم إليه (٣).

وإذا وُجِّه الكلامُ إلى هذا المعنى كانت "ما" استفهامًا في موضعِ نصبٍ بقولِه: ﴿نَبْغِي﴾. وإلى هذا التأويلِ كان يُوَجِّهُه قتادةُ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿مَا نَبْغِي﴾. يقولُ: ما نَبْغى وراءَ هذا؟ إن بضاعتَنا رُدَّت إلينا، وقد أُوفِى لنا الكيلُ (٤).

وقولُه: ﴿وَنَمِيرُ أَهْلَنَا﴾. يقولُ: ونَطْلُبُ لأهلِنا طعامًا، فنَشْتَرِيه لهم. يقالُ منه: مار فلانٌ أهلَه يَمِيرُهم مَيْرًا. ومنه قولُ الشاعرِ (٥):

بعَثْتُك مائِرًا فمَكَثْتَ حولًا … متى يَأْتِى غِياثُك مَن تُغِيثُ

﴿وَنَحْفَظُ أَخَانَا﴾ الذي تُرْسِلُه معنا، ﴿وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ﴾. يقولُ: ونَزْدادُ على أحمالِنا الطعامِ حِمْلَ بعيرٍ، يُكالُ لنا ما حمَل بعيرٌ آخرُ مِن إبلِنا، ﴿ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ﴾. يقولُ: هذا حِمْلٌ يسيرٌ.


(١) في ص، ت ٢، ف: "بنفسه".
(٢) في ت ١: "برد".
(٣) كذا في النسخ. لعله يريد: إلى يعقوب. أو أنه خطأ والصواب: إليهم.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٧/ ٢١٦٦ (١١٧٥٣) من طريق سعيد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٢٦ إلى أبى الشيخ.
(٥) البيت في الدر الفريد ٣/ ٧١ غير منسوب. والبيت قالته عائشة بنت سعد بن أبى وقاص - وكانت قد أرسلت مولى لها يقال له: فند؛ ليقتبس لها نارا فتوجه إلى مصر، فأقام بها سنة، ثم جاءها بنار، وهو يعدو، فعثر فتبدد الجمر، فقال: تعست العجلة. فصارت كلمته مثلًا. ينظر اللسان (غ و ث) مجمع الأمثال ١/ ٢٤٣.