للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُخَلِّىَ يوسفُ عن بنيامينَ، ويَأْخُذَ منهم واحدًا مكانَه، وأن يُجِيبَهم إلى ما سأَلوه من ذلك. وقولُه: ﴿اسْتَيْأَسُوا﴾ اسْتَفْعَلوا، مِن يَئِس الرجلُ مِن كذا، يَيْأَسُ.

كما حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ: ﴿فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ﴾: يَئِسوا (١) منه ورَأَوْا شدَّتَه في أمرِه (٢).

وقولُه: ﴿خَلَصُوا نَجِيًّا﴾. يقولُ: بعضُهم لبعضٍ يَتَناجَوْن، لا يَخْتَلِطُ بهم (٣) غيرُهم. والنَّجِيُّ جماعةُ القومِ المُنْتَجِين، يُسَمَّى به الواحدُ والجماعةُ، كما يُقالُ: رجلٌ عَدْلٌ، ورجالٌ عَدْلٌ، وقومٌ زَورٌ، وفِطْرٌ (٤). وهو مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: نجَوْتُ فلانًا أَنْجوهُ نَجِيًّا. جُعِل صفةً ونعتًا. ومن الدليلِ على أن ذلك كما ذكَرْنا قولُ اللَّهِ تعالى: ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾ [مريم: ٥٢] فوصَف به الواحدَ، وقال في هذا الموضع: ﴿خَلَصُوا نَجِيًّا﴾ فوصَف به الجماعةَ. ويُجْمَعُ النَّجِيُّ أَنْجِيةً، كما قال لَبيدٌ (٥):

وشهِدْتُ أَنْجِيةَ الأُفاقَةِ عاليًا … كَعْبِى وأْردافُ الملوكِ شهودُ (٦)

وقد يُقالُ للجماعةِ مِن الرجالِ: نجوى؛ كما قال جل ثناؤه: ﴿وَإِذْ هُمْ نَجْوَى﴾ [الإسراء: ٤٧]. وقال: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ﴾ [المجادلة: ٧]. وهم القومُ الذين يَتَناجَوْن. وتكونُ النَّجْوَى أيضًا مصدرًا؛ كما قال


(١) في ص: "أيسوا".
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٧/ ٢١٨١ (١١٨٤٧) من طريق سلمة به.
(٣) في ت ١، ف: "بعضهم".
(٤) رجل فطر، وقوم فطر: مفطرون. ينظر اللسان (ف ط ر).
(٥) شرح ديوان لبيد ص ٣٥.
(٦) الأفاقة: موضع. عاليا كعبى: فلجت عليهم. أرداف الملوك: جمع ردف، وهو الذي يكون مع الملك لا يفارقه. المصدر السابق.