للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جمَع بينَنا بعدَ ما فرَّقتم بينَنا، ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ﴾. يقولُ: إنه مَن يَتَّقِ اللَّهَ فيُرَاقِبْه بأداءِ فرائضِه، واجتنابِ معاصيه، ﴿وَيَصْبِرْ﴾. يقولُ: ويَكُفَّ نفسَه، فيَحْبِسْها عما حرَّم اللَّهُ عليه مِن قولٍ أو عملٍ، عند مصيبةٍ نزَلت به مِن اللَّهِ؛ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾. يقولُ: فإن اللَّهَ لا يُبْطِلُ ثوابَ إحسانِه، وجزاءَ طاعتِه إيَّاه، فيما أمَره ونهاه.

وقد اخْتَلفت القَرَأَةُ في قراءةِ قولِه: ﴿أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ﴾؛ فقرَأ ذلك عامَّةُ قَرَأةِ الأمصارِ: ﴿أَإِنَّكَ﴾ على الاستفهامِ (١). وذُكِر أن ذلك في قراءةِ أُبَيِّ بن كعبٍ: (أَوَ أنت يوسفُ). وُرِوى عن ابن مُحَيْصِنٍ أنه قرَأ: (إِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ) على الخبرِ، لا على الاستفهامِ (٢).

والصوابُ من القراءةِ في ذلك عندنا قراءةُ مَن قرَأه بالاستفهامِ؛ لإجماعِ الحجَّةِ من القَرَأَةِ عليه.

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ، قال: لمَّا قال لهم ذلك، يعني قولَه: ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾؟ كَشَفَ الغطاءَ فعرَفوه، فقالوا: ﴿أَإِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ﴾ الآية (٣).

حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى مَن سمِع عبدَ اللَّهِ بنَ إدريسَ يَذْكُرُ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ قولَه: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ﴾. يقولُ (٤): يَتَّقِ


(١) قرأ ابن كثير "إنك" بهمزة مكسورة على الخبر، والباقون على الاستفهام. السبعة لابن مجاهد ٣٥١، وحجة القراءات ص ٣٦٣، والكشف عن وجوه القراءات ٢/ ١٤، والنشر ٢/ ٢٢٢.
(٢) ذكر صاحب البحر المحيط ٥/ ٣٤٢ قراءة أبى وابن محيصن والقراءتان من الشواذ.
(٣) أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره ٧/ ٢١٩٤ (١١٩٤٠) من طريق سلمة به.
(٤) بعده في م: "من".