للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شمله، وأقرَّ بعينه، خلا ولده نجيًّا، فقال بعضُهم لبعض: ألستم قد علمتم ما صنعتم، وما لقى منكم الشيخُ، وما لقى منكم يوسفُ؟ قالوا: بلى. قالوا (١): فيغرُّكم عفوهما عنكم، فكيف لكم بربِّكم؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ، فجلسوا بين يديه - ويوسف إلى جنب أبيه قاعدٌ - قالوا: يا أبانا أتيناك في أمرٍ لم يَأْتِك مثله قَطُّ، ونزل بنا أمرٌ لم ينزل بنا مثله. حتى حرَّكوه - والأنبياء أرحم البرية - فقال: ما لكم يا بَنِيَّ؟ قالوا: ألستَ قد علمت ما كان منا إليك، وما كان منا إلى أخينا يوسف؟ قال: بلى. قالوا: أفلستما قد عفوتما؟ قالا: بلى. قالوا: فإنَّ عفوَكما لا يُغنى عنا شيئًا إن كان الله لم يعفُ عنا. قال: فما تُرِيدُون يا بني؟ قالوا: نُرِيدُ أن تدعو الله لنا (٢)، فإذا جاءك الوحيُ من عندِ اللهِ بأنه قد عفا عما صنعنا، قرَّت أعينُنا، واطمأنت قلوبنا، وإلا فلا قرّةَ عينٍ في الدنيا لنا أبدًا. قال: فقام الشيخ، واستقبل القبلة، وقام يوسفُ خلفَ أبيه، وقاموا خلفَهما أذلةً خاشعين. قال: فدعا، وأمَّن يوسفُ، فلم يُجَبْ فيهم عشرين سنةً - قال صالحٌ المُرِّيُّ: يُخيفُهم - قال: حتى إذا كان رأسُ العشرين، نزل جبريل على يعقوب ، فقال: إن الله بعثني إليك أُبشِّرُك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك. وأنه قد عفا عما صنعوا، وأنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوّة (٣).

حدثني المثنى، قال: ثنا الحارثُ، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا جعفرُ بنُ سليمان، عن أبي عمران الجونى، قال: والله لو كان قتل يوسفَ مضَى، لأدخلهم الله النارَ كلَّهم، ولكن الله جلَّ ثناؤُه أمسك نفس يوسفَ، ليبلُغَ فيه أمره


(١) في م، ت ١، ت ٢، ف: "قال".
(٢) بعده في م: "في أمر".
(٣) عرائس المجالس للثعالبي ص ١٢٤ عن صالح المرى به، وذكره ابن كثير ٤/ ٣٣٩ - ٣٤٠ نقلًا عن الطبري.