للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ: استيأسوا من قومهم أن يُجيبوهم ويُؤمنوا بهم، ﴿وَظَنُّوا﴾. يقول: وظنَّ قومُ الرسل أن الرسل قد كذبوهم الموعد.

والقراءة على هذا التأويل الذي ذكرنا في قوله: ﴿كُذِبُوا﴾، بضم الكافِ، وتخفيف الذال، وذلك أيضًا قراءة بعض قرأَةِ أهل المدينة، وعامة قرأة أهل الكوفة (١).

وإنما اخترنا هذا التأويل وهذه القراءة؛ لأن ذلك عقيب قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي (٢) إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾. فكان ذلك دليلا على أن إياس الرسل كان من إيمان قومهم الذين أُهلكوا، وأن المضمر في قوله: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾. إنما هو من ذكرِ الذين من قبلهم من الأمم الهالكة، وزاد ذلك وضوحًا أيضًا إتْبَاعُ اللَّهِ في سياق الخبر عن الرسل وأممهم قوله: ﴿فَنُجِّيَ (٣) مَنْ نَشَاءُ﴾ إذ الذين أُهلكوا هم الذين ظنُّوا أن الرسل قد كَذبتهم، فكذبوهم ظنًّا منهم أنهم قد كذبوهم.

وقد ذهب قوم ممن قرأ هذه القراءةَ إلى غير التأويل الذي اخترنا، ووجهوا معناه إلى: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظنَّت الرسل أنهم قد كُذبوا فيما وُعِدوا من النصر.


(١) هي قراءة عاصم، وحمزة والكسائي، وأبو جعفر وخلف العاشر، والباقون بتشديد الذال (كُذِّبوا). وينظر السبعة ص ٣٥٠، والنشر ٢/ ٢٢٢، والإتحاف ص ١٦٢.
(٢) في ت ١، ت ٢، س: "يوحى". وهى قراءة السبعة غير عاصم في رواية حفص عنه. وتقدمت نسبة هذه القراءة في ص ٣٨٠.
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "فننجي".