للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ : قد دلَّلْنا فيما مضَى قبلُ على معنَى الصبرِ، وأنه كَفُّ النفْسِ وحبسُها عن الشئِ (١). فإذ كان ذلك كذلك، فمعنى الآيةِ إذن: واذْكُروا إذ قلتم يا معشرَ بنى إسرائيلَ: لن نُطِيقَ حبسَ أنفسِنا على طعامٍ واحدٍ -وذلك الطعامُ الواحدُ هو ما أخْبَر اللهُ جلَّ ثناؤُه أنه أطْعَمَهموه فى تِيهِهم، وهو السلْوى فى قولِ بعضِ أهلِ التأويلِ، وفى قولِ وهبِ بنِ مُنَبِّهٍ هو الخبزُ النَّقِىُّ مع اللحمِ- فاسْألْ لنا ربَّك يُخْرِجْ لنا مما تُنْبِتُ الأرضُ مِن البَقْلِ والقِثَّاءِ، وما سَمَّى اللهُ مع ذلك وذكَر أنهم سأَلوه موسى.

وكان سببَ مسألتِهم موسى ذلك فيما بلَغَنا ما حدَّثنا به بشرٌ، قال: حدَّثنا يزيدُ، عن سعيدٍ، عن قتادةَ قولَه: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾. قال: كان القومُ فى البرِّيَّةِ قد ظُلِّل عليهم الغَمامُ، وأُنْزِل عليهم المنُّ والسَّلْوَى، فملُّوا ذلك، وذكَروا عيشًا كان لهم بمصرَ، فسأَلوه موسى، فقال اللهُ : ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾ (٢).

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخْبَرَنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عن قَتادةَ فى قولِه: ﴿لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾. قال: ملُّوا طعامَهم، وذكَروا عيشَهم الذى كانوا فيه قبلَ ذلك، قالُوا: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا﴾ (٣).

حدَّثنى المثنَّى، قال: حدَّثنا آدمُ، قال: حدَّثنا أبو جعفرٍ، عن الرَّبيعِ، عن أبى العاليةِ فى قولِه: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾. قال: كان طعامُهم السلوى، وشرابُهم المنَّ، فسأَلوا ما ذُكِر، فقيل لهم: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ


(١) ينظر ما تقدم فى ١/ ٦١٧.
(٢) عزاه السيوطي فى الدر المنثور ١/ ٧٢ إلى المصنف وعبد بن حميد.
(٣) تفسير عبد الرزاق ١/ ٤٧، وأخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره ١/ ١٢٣ (٦١١) عن الحسن بن يحيى به.