للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي حدَث عن ذلك الماءِ الذي أنزَله اللَّهُ مِن السماءِ زَبدًا عاليًا فوقَ السيلِ. فهذا أحدُ مَثَلَى الحقِّ والباطلِ، فالحقُّ هو الماءُ الباقى الذي أنزَله اللَّهُ مِن السماءِ، والزَّبَدُ الذي لا يُنتفَعُ به هو الباطلُ.

والمَثلُ الآخرُ: (وَمِمَّا تُوقُدونَ (١) عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ). يقولُ جلَّ ثناؤُه: ومثلٌ آخرُ للحقِّ والباطلِ، مَثَلُ فضةٍ أو ذهَبٍ يُوقِدُ عليها الناسُ في النارِ؛ طَلَبَ حليةٍ يَتَّخِذُونها، أو متاعٍ، وذلك مِن النُّحاس والرَّصاصِ والحديدِ، يُوقَدُ عليه ليُتَّخَذَ منه متاعٌ يُنْتَفَعُ به، ﴿زَبَدٌ مِثْلُهُ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: ومما توقِدون عليه مِن هذه الأشياءِ زَبَدٌ مثلُه، بمعنى: مثلُ زَبَدِ السيلِ، لا يُنْتَفَعُ به ويَذْهَبُ باطلًا، كما لا يُنْتَفَعُ بزَبَدِ السيلِ ويَذْهَبُ باطلًا.

ورُفِع الزبدُ بقولِه: (وَمِمَّا تُوقُدونَ (١) عَلَيْهِ فِي النَّارِ). ومعنى الكلامِ: ومما تُوقِدون عليه في النارِ زبدٌ مثلُ زبَدِ السيلِ في بُطولِ زبَدِه، وبقاءِ خالصِ الذهبِ والفضةِ.

يقولُ اللَّهُ تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ﴾. يقولُ: كما مَثّل اللَّهُ (٢) الإيمانَ والكفرَ في بطولِ الكفرِ وخيبةِ صاحبِه عندَ مجازاةِ اللَّهِ، بالباقى النافعِ مِن ماءِ السيلِ وخالصِ الذهبِ والفضةِ، كذلك يُمَثِّلُ اللَّهُ الحقَّ والباطلَ. ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾. يَقُولُ: فأما الزَّبَدُ الذي علا السيلَ والذهبَ والفضةَ والنُّحاسَ والرَّصاصَ عندَ الوقودِ عليها، فيَذْهَبُ بدفعِ الرياحِ، وقذفِ الماءِ به،


(١) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "توقدون" وكذا في المواضع الآتية، وسنثبتها بالياء دون إشارة وبالتاء هي قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبى بكر. وبالياء قرأ حمزة والكسائى وحفص عن عاصم. وهى رواية عن أبي عمرو السبعة لابن مجاهد ص ٣٥٨،٣٥٩.
(٢) بعده في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "مثل".