للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقولِه: ألم تَيْأَسُوا: ألم تَعْلَموا. وأنشَدوا أيضًا في ذلك (١):

ألم يَيْأسِ الأقوامُ أني أنا ابنُه … وإن كنت عن أرضِ العشيرةِ نائيا

وفسَّروا معنى (٢) قولِه: ألم يَيْأَسُ: ألم يَعْلَمُ ويَتَبَيَّنْ. وذُكِر عن ابن الكلبيِّ أن ذلك لغةٌ لحيٍّ من النجَعِ يقالُ لهم: وَهْبيلٌ، تقولُ: ألم تَيْأسْ كذا. بمعنى: ألم تَعْلَمُه. وذُكر عن القاسمِ بن معنٍ أنها لغةُ هوازنَ، وأنهم يقولون: يَئِستُ كذا: علمتُ.

وأما بعضُ الكوفيين فكان يُنْكِرُ ذلك، ويَزْعُمُ أنه لم يَسْمَعْ أحدًا مِن العربِ يقولُ: يَئِسْت. بمعنى: علِمتُ. ويقولُ: هو في المعنى وإن لم يَكُنْ مسموعًا "يَئِستُ" بمعنى "علِمتُ". يَتَوجَّهُ إلى ذلك أن اللَّهَ قد أوقع إلى المؤمنين أنه لو شاء لهدَى الناسَ جميعًا، فقال: ألم (٣) يَيْأَسوا علمًا. يقولُ: يُؤيسُهم العلمُ. فكان فيه العلمُ مضمرًا، كما يقالُ: قد (٤) يَئِستُ منك ألا تُفْلِحَ علمًا. كأنه قيل: علِمتُه علمًا. قال: وقولُ الشاعرِ (٥):

حتى إذا يَئِسَ الرماةُ وأرْسَلُوا … غُضْفًا دَواجِنَ قافِلًا أَعْصامُها (٦)

معناه: حتى إذا يئِسوا من كلِّ شيءٍ مما يمكنُ إلا (٧) الذي ظهَر لهم، أرسَلوا.


(١) مسائل نافع ص ٧٠ منسوبا لمالك بن عوف، وتفسير القرطبي ٩/ ٣٢٠ منسوبا لرباح بن عدى، وغير منسوب في أساس البلاغة (ى أ س).
(٢) سقط من: م.
(٣) في م: "أفلم".
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "في".
(٥) هو لبيد بن ربيعة، والبيت في شرح ديوانه ص ٣١١.
(٦) الغضف: المسترخية الآذان، والدواجن: المعودة للصيد، وقافل يابس، وأعصامها: قلائدها. ينظر شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ص ٥٦٨.
(٧) في ص، ف: "لا".