للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَن قرَأ ذلك بالإجْراءِ والتَّنْوينِ، كان تأويلُ الكلامِ عندَه: اهْبِطوا مصرًا البلدةَ التى تُعْرَفُ بهذا الاسمِ، وهى مصرُ التى خرَجوا عنها. غيرَ أنه أجْراها ونوَّنها اتِّباعًا منه خَطَّ المصحفِ؛ لأنَّ في المصحفِ ألفًا ثابتةً في "مصرَ"، فيَكونُ سبيلُ قراءتِه ذلك بالإجْراءِ والتنوينِ سبيلَ قراءةِ مَن قرأ: (كَانَتْ قَوَارِيرًا (١٥) قَوَارِيرًا مِنْ فِضَّةٍ) [الإنسان: ١٥، ١٦]. مُنَوَّنةً (١)، اتِّباعًا منه خطَّ المُصْحفِ.

وأما الذى لَمْ يُنَوِّنْ "مصرَ"، فإنه لا شكَّ أنه عنَى "مصرَ" التى تُعْرَفُ بهذا الاسمِ بعينِها دونَ سائرِ البُلْدانِ غيرِها.

وقد اخْتَلَف أهلُ التأويلِ في تأويلِ ذلك نظيرَ اخْتِلافِ القَرأةِ في قراءتِه؛ فحدَّثنا بشرُ بنُ مُعاذٍ، قال: ثنا يزيدُ بنُ زُرَيْعٍ، عن سعيدٍ، عن قَتادةَ: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ أىْ: مِصرًا مِن الأمصارِ، ﴿فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾ (٢).

حدَّثني موسي، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسْباطُ، عن السُّديِّ: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾: مِن الأمصارِ، ﴿فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾. فلمَّا خرَجوا مِن التِّيهِ رُفع المنُّ والسَّلْوَى وأكَلوا البُقولَ (٣).

حدَّثنا القاسمُ، قال: حدَّثَنا الحسينُ، قال: حدَّثني حجاجٌ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن مُجاهِدٍ: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾. قال: مِصْرًا مِن الأمصارِ، زعَموا أنهم لَمْ يَرْجِعوا إلى مصرَ.


(١) وهى قراءة نافع والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر، وقرأ ابن كثير بالتنوين في الأولي، وبغير تنوين في الثانية. السبعة لابن مجاهد ص ٦٦٣، ٦٦٤.
(٢) ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ١٢٤ عقب الأثر (٦١٨) معلقًا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٧٣ إلى عبد بن حميد.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ١٢٤ (٦٢١) عن أبي زرعة، عن عمرو بن حماد، به مختصرًا.