للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليه أُناسٌ مِن طَسْمٍ، فعصَوْا رَبَّهم، واسْتَحَلُّوا حُرْمتَه، واسْتَخَفُّوا بحقِّه، فأهْلَكهم اللهُ، ثم ولِيَه أُناسٌ مِن جُرْهُمَ، فعصَوْا رَبَّهم، واسْتَحَلُّوا حُرْمتَه، واسْتَخَفُّوا بحقِّه، فأهلَكَهم اللهُ، ثم ولِيتُموه معاشرَ قريشٍ، فلا تَعْصُوا ربَّه، ولا تَسْتَحِلُّوا حرمتَه، ولا تَسْتَخِفُّوا بحقِّه، فواللهِ لصَلاةٌ فيه أحبُّ إليَّ من مائةِ صلاةٍ بغيرِه، واعْلَموا أن المعاصيَ فيه على نحوٍ من ذلك (١).

وقال: ﴿إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ ولم يَأْتِ بما وقَع عليه الفعلُ، وذلك أن حظَّ الكلامِ أن يُقالَ: إنى أسْكَنْتُ مِن ذريتى جماعةً، أو رجلًا، أو قومًا. وذلك غيرُ جائزٍ مع "مِن"، لدلالتِها على المرادِ مِن الكلامِ، والعربُ تَفْعَلُ ذلك معها كثيرًا، فتقولُ: قتَلْنا مِن بنى فلانٍ، وطعِمْنا مِن الكلإِ، وشرِبنا مِن الماءِ. ومنه قولُ اللهِ ﷿: ﴿أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ [الأعراف: ٥٠].

فإن قال قائلٌ: وكيف قال إبراهيمُ حينَ أسْكَن ابنَه مكةَ: ﴿إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾. وقد روَيْتَ في الأخبار التي ذكرْتَها أن إبراهيمَ بنَى البيتَ بعدَ ذلك بمدةٍ؟

قيل: قد قيل في ذلك أقوالٌ، قد ذكَرْتُها في سورةِ "البقرةِ" (٢)، منها أن معناه: عندَ بيتِك المحرمِ، الذي كان قبلَ أن تَرْفَعَه مِن الأرضِ، حينَ رفَعْتَه أَيامَ الطُّوفانِ، ومنها: عندَ بيتِك المحرمِ الذي قد مضَى في سابقِ علمِك أنه يَحْدُثُ في هذا البلدِ.

وقولُه: ﴿الْمُحَرَّمِ﴾ على ما قاله قتادةُ، معناه: المُحَرَّمُ مِن استحلالِ حُرُماتِ اللهِ فيه، والاسْتِخْفافِ بحقِّه.


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٨٧ إلى المصنف وابن أبي حاتم.
(٢) تقدم في ٢/ ٥٤٠ - ٥٤٣.