للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾. يعنى بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾: لا يمتنعُ منه شيءٌ أراد عقوبتَه، قادرٌ على كلِّ مَن طلَبه، لا يفوتُه بالهَرَبِ منه. ﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾ ممن كفَر برسلِه وكذَّبهم، وجحَد نبوَّتَهم، وأشرَك به، واتَّخَذ معه إلهًا غيرَه.

وأُضِيف قولُه: ﴿مُخْلِفَ﴾ إلى الوعدِ وهو مصدرٌ؛ لأنه وقَع موقعَ الاسمِ، ونُصِب قولُه: ﴿رُسُلَهُ﴾ بالمعنى، وذلك أن المعنى: فلا تحسبنَّ الله مُخلِفَ رسلِه وعدَه. فالوعدُ وإن كان مخفوضًا بإضافةِ ﴿مُخْلِفَ﴾ إليه، ففى معنى النصبِ، وذلك أن الإخلافَ يقعُ على منصوبين مختلفين، كقولِ القائلِ: كسَوتُ عبدَ اللَّهِ ثوبًا، وأدخلتُه دارًا وإذا كان الفعلُ كذلك يقعُ على منصوبين مختلفين، جاز تقديمُ أيِّهما قُدِّم، وخَفْضُ ما وَلِىَ الفعلَ الذي هو في صورةِ الأسماءِ، ونصبُ الثاني، فيقالُ: أنا مدخِلُ عبدِ اللَّهِ الدارَ، وأنا مدخِلُ الدارِ عبدَ اللَّهِ. إن قدَّمتَ "الدارَ" إلى "المُدْخِلِ"، وأَخَّرْتَ "عبدَ اللَّهِ"، خفَضَتَ "الدار"، إذ أُضيف "مُدخلٌ" إليها، ونُصِب "عبدُ اللَّهِ"، وإن قُدَّم "عبدُ اللَّهِ" إليه، وأخِّرتْ "الدارُ"، خُفِض "عبدُ اللهِ" بإضافةِ "مُدْخلٍ" إليه، ونُصِب "الدارُ"؛ وإنما فُعِل ذلك كذلك لأن الفعلَ - أعنى "مُدْخل" - يعملُ في كلِّ واحدٍ منهما نصبًا، نحوَ عملِه في الآخرِ؛ ومنه قولُ الشاعرِ (١):

تَرَى الثَّوْرَ فيها مُدْخِلَ الظِّلِّ رأسَهُ … وسائِرُهُ بادٍ إِلى الشَّمْسِ أَجْمَعُ

أضاف "مُدْخلَ" إلى "الظلِّ"، ونَصَب "الرأسَ"؛ وإنما معنى الكلامِ: مُدْخلٌ رأسَه الظلَّ.


(١) البيت مجهول القائل، وينظر في معاني القرآن ٢/ ٨٠، وتأويل مشكل القرآن ص ١٤٨، والهمع ٢/ ١٢٣ برواية: "أكتع"، وكذا في الدرر اللوامع ٢/ ١٥٦.