للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك تَفْعَلُ العربُ في كلِّ شيءٍ اتسَع.

واختلَف أهلُ العربية في وجهِ وصف الرياح باللَّقَحِ، وإنما هي مُلْقِحةٌ لا لاقحةٌ، وذلك أنها تُلقِحُ السحاب والشجرَ، وإنما تُوصَفُ باللَّقَحِ الملقوحة لا الملقِحُ، كما يقالُ: ناقةٌ لاقحٌ. وكان بعضُ نحويِّى البصرة يقولُ: قيل: ﴿الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾. فجعلها على لاقحٍ، كأن الرياحَ لَقِحَت؛ لأن فيها خيرًا، فقد لقحت بخيرٍ. قال: وقال بعضُهم: الرياحُ تُلْقِحُ السحابَ. فهذا يدلُّ على ذلك المعنى؛ لأنها إذا أنشأته وفيها خيرٌ وصل ذلك إليه.

وكان بعضُ نحويِّى الكوفة يقولُ (١): في ذلك معنيان؛ أحدهما، أن يَجْعَلَ الريحَ هي التي تَلْقَحُ بمرورها على التراب والماء فيكون فيها اللقاح. فيقال: ريحٌ لاقحٌ. كما يقالُ: ناقة لاقحٌ. قال: ويَشْهَدُ على ذلك أنه وصف ريحَ العذابِ فقال: ﴿عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ [الذاريات: ٤١]. فجعلها عقيمًا إذ (٢) لم تَلْقَحْ. قال: والوجه الآخرُ، أن يكونَ وصَفَها باللَّقَحِ وإن كانت تُلْقِحُ، كما قيل: ليلٌ نائمٌ، والنوم فيه، وسرٌّ كاتمٌ. وكما قيل:

* المبروزُ والمختومُ (٣) *

فجعله (٤) مبروزًا، ولم يَقُلْ: مُبْرَزًا. بناه (٥) على غيرِ فعلٍ (٦)، أي أن ذلك من


(١) هو الفراء في معاني القرآن ٢/ ٨٧.
(٢) في النسخ: "إذا". والمثبت هو الصواب، وكذلك هو في معاني القرآن.
(٣) عجز بيت للبيد، وتمامه:
أو مُذْهَبٌ جَدَدٌ على ألواحـ … هنَّ الناطق المبروزُ والمختومُ.
شرح ديوان لبيد ص ١١٩.
(٤) في النسخ: "فجعل"، والمثبت من معاني القرآن.
(٥) في ص، ت ١، ت ٢: "بناء".
(٦) في م: "فعله".