للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ " [الأنفال: ٢٤]. قال: ثم قال رسولُ اللهِ : "لأُعَلِّمَنَّك أعظمَ سورةٍ في القرآنِ". فكأنه بيَّنَها أو نسِىَ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، الذي قلتَ؟ قال: " ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هي السبعُ المثانى، والقرآنُ العظيمُ الذي أوتِيتُه" (١).

فإذ كان الصحيحُ مِن التأويلِ في ذلك ما قلنا، للذى به استَشْهَدنا، فالواجبُ أن تكونَ المثانى مرادًا بها القرآنُ كلُّه، فيكونُ معنى الكلامِ: ولقد آتَيْناك سبعَ آياتٍ، مما يَثْنِى بعضُ آيِه بعضًا. وإذا كان ذلك كذلك، كانت المثانى جمعَ مَثْناةٍ، وتكونُ آىُ القرآنِ موصوفةً بذلك؛ لأن بعضَها يَثْنِى بعضًا، وبعضَها يَتْلو بعضًا (٢)، بفصولٍ تَفْصِلُ بينَها، فيُعْرَفُ انقضاءُ الآيةِ وابتداءُ التي تليها، كما وصَفها به تعالى ذكرُه فقال: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ [الزمر: ٢٣].

وقد يجوزُ أن يكونَ معناها كما قال ابن عباسٍ والضحاكُ ومن قال ذلك، أن القرآنَ إنما قيل له: مَثَانى. لأن القَصَصَ والأخبارَ كُرِّرت فيه مرَّةً بعدَ أُخرى. وقد ذكَرنا قولَ الحسنِ البصريِّ قبلُ (٣)، أنها إنما سمِّيت مَثانَى؛ لأنها تُثْنَى في كلِّ قراءةٍ. وقولَ ابن عباس: إنها إنما سمِّيت مَثانَى؛ لأن الله تعالى ذكرُه استثْناها لمحمدٍ دونَ سائرِ الأنبياءِ غيرِه، فدخَرها (٤) له.


(١) أخرجه الطحاوى في المشكل (١٢٠٧) من طريق وهب بن جرير به.
وأخرجه الطيالسى (١٣٦٢)، وأحمد (١٥٧٣٠، ١٧٨٥١)، والبخارى (٤٤٧٤، ٤٦٤٧، ٤٧٠٣، ٥٠٠٦)، وأبو داود (١٤٥٨)، والنسائى (٩١٢)، وابن ماجه (٣٧٨٥)، وابن حبان (٧٧٧)، وغيرهم من طرق عن شعبة به.
(٢) في ف: "بعضها".
(٣) سقط من: م.
(٤) في م: "فادخرها".