للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العاضِهَةُ (١).

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا ورقاءُ، وحدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، وحدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ اللَّهِ، عن ورقاءَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قولَه: ﴿جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾. قال: سِحْرًا، أعضاءً، الكتبَ كلَّها، وقريشٌ فرَّقوا القرآنَ، قالوا: هو سحرٌ (٢).

والصوابُ مِن القولِ في ذلك أن يقالَ: إن اللَّهَ تعالى ذكرُه أمَر نبيَّه أن يُعْلِمَ قومًا عَضَهُوا القرآنَ، أنه لهم نذيرٌ مِن عقوبةٍ تَنْزِلُ بهم بعَضْهِهم (٣) إياه، مثلِ ما أَنْزَلَ بالمقتسمين، وكان عَضُهُهم إياه قذفَهُمُوه بالباطلِ، وقيلَهم: إنه شعرٌ وسحرٌ. وما أشبَه ذلك.

وإنما قلنا: إن ذلك أولى التأويلاتِ به. لدَلالةِ ما قبلَه مِن ابتداءِ السورةِ وما بعدَه، وذلك قولُه: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾. على صحةِ ما قلنا، وأنه إنما عَنَى بقولِه: ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾. مشرِكى قومِه. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنه لم يكنْ في مُشرِكى قومِه مَن يُؤْمِنُ ببعضِ القرآنِ ويَكْفُرُ ببعضٍ، بل إنما كان قومُه في أمْرِه على أحدِ معنيين؛ إما مؤمِنٌ بجميعِه، وإما كافرٌ بجميعِه. وإذ كان ذلك كذلك، فالصحيحُ مِن القولِ في معنى قولِه: ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾. قولُ الذين زعَموا أنهم عَضَهُوه؛ فقال بعضُهم: هو سحرٌ. وقال بعضُهم: هو شعرٌ. وقال بعضُهم: هو كَهانةٌ. وما أشبَه ذلك مِن القولِ، أو عَضَّوْه،


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ١٠٦ إلى المصنف وسعيد بن منصور وابن المنذر.
(٢) تقدم تخريجه في ص ١٣٢ وهو في تفسير مجاهد: فقالوا: هذا سحر وشعر.
(٣) في ص، ف: "بعضهم".