للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلفت القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأته عامةُ قرأةِ الأمصارِ بكسرِ الشينِ: ﴿إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾. سوى أبي جعفر القارئِ (١)، فإن المثنى حدَّثني، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ أبي حمادٍ، قال: ثني أبو سعيدٍ الرازيُّ، عن أبي جعفرٍ قارئِ المدينةِ أنه كان يَقْرَأُ: ﴿لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾، بفتحِ الشينِ، وكان يقولُ: إنما الشَّقُّ: شَقُّ النفسِ. وقال ابن أبي حمادٍ: وكان معاذٌ الهرَّاءُ يقولُ: هي لغةٌ، تقولُ العربُ: بشَقٍّ وبشِقٍّ، وبرَقٍّ وبرِقٍّ.

والصوابُ من القراءةِ في ذلك عندَنا ما عليه قرأةُ الأمصارِ، وهى كسرُ الشينِ، لإجماعِ الحجةِ من القرأةِ عليه، وشذوذِ ما خالَفه، وقد يُنْشَدُ هذا البيتُ بكسرِ الشينِ وفتحِها، وذلك قولُ الشاعرِ (٢):

وذى إبلٍ يَسْعَى ويَحْسِبُها له … أخي نَصَبٍ مِن شِقِّها ودُءوبِ

و "مِن شَقِّها"، أيضًا، بالكسرِ والفتحِ؛ وكذلك قولُ العجّاجِ (٣):

أصبَح مَسْحولٌ (٤) يوازى شَقًا

و "شَقًّا"، بالفتحِ والكسرِ، يَعْنى بقولِه: "يوازى شِقًّا": يُقاسي مشقةً. وكان بعضُ أهلِ العربيةِ يَذْهَبُ بالفتحِ إلى المصدرِ مِن: شَقَقْتُ عليه أَشُقُّ شَقًّا. وبالكسرِ إلى الاسمِ. وقد يَجُوزُ أن يكونَ الذين قرَءوا بالكسرِ، أرادوا إلا ينقصٍ مِن القوَّةِ، وذَهَابِ شيءٍ منها، حتى لا يَبْلُغَه إلا بعدَ نَقْصِها، فيكونَ معناه عندَ ذلك: لم


(١) النشر في القراءات العشر ٢/ ٢٢٧، وإتحاف فضلاء البشر ص ١٦٨.
(٢) البيت للنمر بن تولب. ديوانه ص ٤٠، وقد نسب البيت لأبي حزام العكلي في شرح القصائد السبع الجاهليات ص ١٣٨، ونسب أيضًا لحاتم الطائى في المجاز من شعر بشار للخالديين ص ١٣٤.
(٣) ديوانه ص ٧٢.
(٤) مسحول: اسم جَمَلِه. ديوان العجاج شرح الأصمعي ص ٧٢.