للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشواهِدِ في ذلك مِن شعرِهم فيما مضَى (١).

وقد زعَم بعضُهم أن الخطابَ في هذه الآياتِ إنما أُخْرِج بإضافةِ الفعلِ إلى المُخاطَبِين، والفعلُ لغيرِهم؛ لأن المخاطَبِين بذلك كانوا يَتَوَلَّوْن مَن كان فعَل ذلك مِن أوائلِ بني إسرائيلَ، فصيَّرهم اللهُ منهم مِن أجلِ وِلايتِهم لهم.

وقال بعضُهم: إنما قيل ذلك كذلك؛ لأن سامِعيه كانوا عالِمين -وإن كان الخطابُ خرَج خطابًا للأحْياءِ مِن بني إسرائيلَ وأهلِ الكتابِ- أن (٢) المعنى في ذلك إنما هو خبرٌ عما [قد مضَى] (٣) مِن أنْباءِ أسلافِهم، فاسْتُغْنِى بعلم السامِعِين بذلك عن ذكرِ أسْلافِهم بأعْيانِهم. ومثَّل ذلك بقولِ الشاعرِ (٤):

إذا ما انْتَسَبْنا لم تَلِدْنى لَئِيمةٌ … ولم تَجِدِى مِن أن تُقِرِّى به بُدًّا

فقال: إذا انْتَسَبْنا. و "إذا" تَقْتَضِى مِن الفعلِ مُسْتَقْبلًا، ثم قال: لم تَلِدْنى لَئِيمةٌ. فأخْبَر عن ماضٍ مِن الفعلِ، وذلك أن الوِلادةَ قد مَضَت وتقدَّمَت، وإنما فعَل ذلك -عندَ المُحْتَجِّ به- لأن السامعَ قد فهِم معناه.

فجعَل ما ذكَرْنا مِن خطابِ اللهِ أهلَ الكتابِ الذين كانوا بينَ ظَهْرانَىْ مُهاجَرِ رسولِ اللهِ أيامَ رسولِ الله ، بإضافةِ أفعالِ أسْلافِهم إليهم - نظيرَ ذلك.

والأولُ الذى قُلْنا هو المُسْتَفِيضُ في (٥) كلامِ العربِ وخِطابِها.


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٦٤٢، ٦٤٣.
(٢) في م: "إذ".
(٣) في م: "قص الله".
* من هنا يبدأ خرم في المخطوطة الأصل وينتهى في ص ١٥٩.
(٤) معانى القرآن ١/ ٦١، وفى حاشية الأمير على مغنى اللبيب ١/ ٢٥: في حاشية السيوطي: قائله زائدة بن صعصعة الفقعسى. ولم ينسبه السيوطي في شرحه على شواهد المغنى ١/ ٨٩.
(٥) في م: "من".