للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ أَيُّها الناسُ. يقولُ: أفلا تَذكَّرون نِعمَ اللهِ عليكم، وعظيمَ سُلطانِه وقُدرتِه على ما شاء، وعجزَ أوثانِكم وضعْفَها وَمَهانتَها، وأنها لا تَجْلُّبُ إلى نفسِها نفعًا، ولا تَدْفَعُ عنها ضُرًّا، فتَعْرِفوا بذلك خَطَأَ ما أنتم عليه مُقيمون، من عبادِتكُموها، وإقرارِكم (١) لها بالأُلُوهَةِ.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾. واللهُ هو الخالقُ الرازقُ، وهذه الأوثانُ التي تُعْبَدُ مِن دونِ اللهِ تُخْلَقُ، ولا تَخْلُقُ شيئًا، ولا تَمْلِك لأهلِها ضَرًّا ولا نفعًا. قال اللهُ: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (٢).

وقيل: ﴿كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ [ومن لا يَخْلُقُ] (٣) هو الوَثَنُ والصَّنَمُ، و "مَن" لذَوِى التمييزِ خاصةً، فجُعِل في هذا الموضعِ لغيرِهم التمييزُ، إذ وقَع تَفْصِيلًا بينَ مَن يَخْلُقُ ومَن لا يَخْلُقُ. ومَحْكيٌّ عن العربِ: اشْتَبه عليَّ الراكبُ وحملُه (٤)، فما أَدْرِى مَن ذا مِن (٥) ذا. حيثُ جُمِعًا وأحدُهما إنسانٌ، حَسُنت "من" فيهما جميعًا. ومنه قولُ اللهِ ﷿: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾ [النور: ٤٥].

وقولُه: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾: لا تُطِيقوا أداءَ شُكْرِها، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. يقول جلَّ ثناؤُه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ﴾ لما كان منكم من تقصيرٍ في شكرِ بعضِ ذلك، إذا تُبتُم وأنَبْتُم إلى طاعتِه، واتباعِ مَرْضاتِه،


(١) في ت ١، ت ٢: "إفرادكم".
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ١١٤ إلى عبد بن حميد والمصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ف.
(٤) في م: "جملة". وينظر معاني القرآن ٢/ ٩٨.
(٥) في م: "ومن".