للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُتَّقِينَ (٣٠)﴾.

يقولُ تعالَى ذكرُه: وقيل للفريقِ الآخَرِ (١)، الذين هم أهلُ إيمانٍ وتقوَى للهِ: ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾؟ قالوا: ﴿خَيْرًا﴾. يقولُ: قالوا: أنزَل خيرًا.

وكان بعضُ أهل العربيةِ من الكوفيين يقولُ: إنما اختَلف الإعرابُ في قولِه: ﴿قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [النحل: ٢٤]. وقولِه: ﴿خَيْرًا﴾. والمسألةُ قبلَ الجوابين كليهما واحدةٌ، وهى قولُه: ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾. لأن الكفارَ جحَدوا التنزيلَ، فقالوا حين سمِعوه: ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾. أي: هذا الذي جِئْتَ به أساطيرُ الأوَّلين: ولم يُنزِل اللهُ منه شيئًا. وأما المؤمنون فصدَّقوا التنزيلَ، فقالوا: ﴿خَيْرًا﴾. بمعنى أنه أنزَل خيرًا. فانتصَب بوقوعِ الفعلِ من اللهِ على الخيرِ، فلهذا افترقا. ثم ابتدَأ الخبرَ، فقال: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾. وقد بيَّنا القولَ في ذلك فيما مَضَى قبلُ، بما أغنَى عن إعادتِه (٢).

وقولُه: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: للذين آمَنوا باللهِ في هذه الدنيا ورسولِه، وأطاعوه فيها، ودعَوا عبادَ اللَّهِ إلى الإيمانِ والعملِ بما أمَر اللهُ به، ﴿حَسَنَةٌ﴾. يقولُ: كرامةٌ من اللهِ.

﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ﴾. يقولُ: ولدارُ الآخرِة خيرٌ لهم من دارِ الدنيا، وكرامةُ اللهِ التي أعدَّها لهم فيها أعظمُ من كرامتِه التي عجَّلها لهم في الدنيا.

﴿وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾. يقولُ: ولنعم دارُ الذين خافوا الله في الدنيا فاتَّقَوْا عقابَه بأداءِ فرائضِه، وتجنَّب معاصيه، دارُ الآخرةِ.


(١) سقط من: ت ٢.
(٢) ينظر ما تقدم في ص ١٩٨.