للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَنْ يُضِلُّ﴾ بفتحِ الياءِ مِن ﴿يَهْدِي﴾، وضمِّها من ﴿يُضِلُّ﴾ (١). وقد اخْتَلَف في معنى ذلك قارِئوه كذلك؛ فكان بعضُ نَحْويى الكوفةِ يَزْعُمُ أن معناه: فإن الله مَن أَضَلَّه لا يَهْتَدِى. وقال: العربُ تقولُ: قد هَدَى الرجلُ. يريدون: قد اهْتَدَى. [وهَدَى] (٢) واهْتَدَى بمعنًى واحدٍ (٣). وكان آخرون منهم يَزْعُمون أن معناه: فإن الله لا يهدِى مَن أَضلَّه. بمعنى أن مَن أَضلَّه اللهُ، فإن الله لا يَهْديه (٤). وقرَأ ذلك عامَّةُ قرأةِ المدينةِ والشامِ والبصرةِ: (فَإِنَّ الله لا يُهْدَى) بضمِّ الياءِ مِن (يُهْدَى) ومِن (يُضِلُّ) وفتحِ الدالِ مِن (يُهدَى) (٥). بمعنى: مَن أَضلَّه اللهُ فلا هاديَ له.

وهذه القراءةُ أولى القراءتين عندى بالصوابِ؛ لأن يَهْدِى بمعنى يَهْتَدِى (٦) قليلٌ في كلامِ العربِ غيرُ مُسْتَفيضٍ، وأنه لا فائدةَ في قولِ قائلِ: مَن أَضلَّه اللهُ فلا يَهْدِيه. لأن ذلك مما لا يَجْهَلُه كثيرُ (٧) أَحَدٍ. وإذ كان ذلك كذلك، فالقراءةُ بما كان مستفيضًا في كلامِ العربِ من اللغةِ بما فيه الفائدةُ العظيمةُ، أَوْلَى وأخرَى.

فتأويلُ الكلامِ - لو كان الأمرُ على ما وَصَفْنا - إن تَحرِصْ يا محمدُ على هُداهم، فإن مَن أضلَّه اللهُ منهم (٧) فلا هاديَ له، فلا تُجْهِدْ نفسَك في أمرِه، وبَلِّغْه ما أُرْسِلْتَ به لتَتِمَّ عليه الحُجَّةُ.


(١) هي قراءة عاصم وحمزة والكسائي. ينظر السبعة ص ٣٧٢ والتيسير في القراءات السبع ص ١١٢.
(٢) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ف.
(٣) ينظر معاني القرآن ٢/ ٩٩، وتفسير القرطبي ١٠/ ١٠٤.
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "يهدى".
(٥) هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو ونافع وابن عامر. ينظر المصدرين السابقين
(٦) في ص، ت ٢، ف: "يهدى". وفى ت ١ غير واضحة.
(٧) سقط من: م.