للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهو يَنْكُثُه نَكْثًا، والحبلُ مُنْتَكِثٌ إذا انْتَقَضَت قُواه. وإنما عُنِى به في هذا الموضع نَكْثُ العهدِ والعقدِ.

وقولُه: ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: تَجْعَلون أيمانَكم التي تَحْلِفون بها على أنكم مُوفُون بالعهدِ لمن عاقَدْتُموه؛ ﴿دَخَلًا بَيْنَكُمْ﴾. يقولُ: خَديعةً وغُرورًا؛ ليَطْمَئِنُّوا إليكم، وأنتم مُضْمِرون لهم الغدرَ، وتركَ الوفاءِ بالعهدِ، والنُّقْلة عنهم إلى غيرِهم مِن أجلِ أن غيرَهم أكثرُ عددًا منهم.

والدَّخَلُ فى كلامِ العربِ كلُّ أمرٍ لم يَكُنْ صحيحًا، يقالُ منه: أنا أعلمُ دَخَلَ فلانٍ ودُخْلُلَه ودُخْلَلَه، وداخلةَ أمرِه ودَخْلَتَه ودَخِيلتَه (١).

وأما قولُه: ﴿أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾. فإن قولَه: ﴿أَرْبَى﴾. أفْعَلُ مِن الرِّبا، يقال: هذا أرْبَى من هذا، وأرْبَأُ (٢) منه، إذا كان أكثرَ منه، ومنه قولُ الشاعرِ (٣):

وأَسْمَرَ خَطَّيٍّ (٤) كأَنَّ كُعوبَه … نَوَى القَسْبِ (٥) قد أَرْبَى (٦) ذِراعًا على العَشْرِ

وإنما قيل (٧): أرْبَى فلانٌ مِن هذا. وذلك للزيادةِ التي يَزِيدُها على غريمِه، على


(١) فى ت ١، ت ٢، ف: "دخلته".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "أربى".
(٣) البيت لحاتم الطائي، وهو في ديوانه ص ٢٥٣، ونسبه ابن منظور في اللسان (ر د ى) إلى أوس بن حجر، وليس في ديوانه. وينظر اللسان (ق س ب). والوساطة ص ٢٤١، ٢٤٢.
(٤) كذا في النسخ، ورواية المصادر: "خطيا".
(٥) القسب: التمر اليابس يتفتت فى الفم. ينظر اللسان (ق س ب).
(٦) فى الديوان: "أرمى"، وفى اللسان (ر د ى): "أردى". وكلها بمعنى.
(٧) في م: "يقال".