للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحُذِفَت الفاءُ مِن قولِه: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾. وهو جوابٌ، لاسْتِغْناءِ ما قبلَه مِن الكلامِ عنه، وحُسْنِ السكوتِ على قولِه: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾. فجاز لذلك إسقاطُ الفاءِ مِن قولِه: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾. كما جاز وحَسُن إسقاطُها مِن قولِه: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا﴾ [الحجر: ٥٧، ٥٨، والذاريات: ٣١، ٣٢]. ولم يَقُلْ: "فقالوا: إنا أُرْسِلْنا". ولو قيل: "فقالوا". كان حسنًا أيضًا جائزًا. ولو كان ذلك على كلمةٍ واحدةٍ لم تُسْقَطْ منه الفاءُ، وذلك أنك إذا قلتَ: قمتُ وفعَلتُ كذا وكذا. لم (١) تَقُلْ: قمتُ فعلتُ كذا وكذا؛ لأنها عطفٌ لا استفهامٌ يُوقَفُ عليه.

فأخْبَرَهم موسى -إذ قالوا له ما قالوا- أن المُخْبِرَ عن اللهِ جل ثناؤُه بالهُزْءِ والسخريةِ مِن الجاهِلِين، وبرَّأ نفسَه مما ظنُّوا به مِن ذلك، فقال: ﴿أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾. يعنى: مِن السفهاءِ الذين يَرْوُون عن اللهِ الكذبَ والباطلَ.

وكان سببَ قيلِ موسى لهم: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ ما حدَّثنا به محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا المُعْتَمِرُ بنُ سليمانَ، قال: سمِعْتُ أيوبَ، عن محمد بنِ سيرينَ، عن عَبيدةَ، قال: كان في بنى إسرائيلَ رجلٌ عَقيمٌ -أو عاقرٌ- قال: فقتَله وليُّه، ثم احْتَمَله، فألْقاه في سِبْطٍ غيرِ سِبْطِه. قال: فوقَع بينَهم فيه الشرُّ، حتى أخَذوا السلاحَ، قال: فقال أولو النُّهَى: أتَقْتَتِلون وفيكم رسولُ اللهِ؟ قال: فأتَوا نبىَّ اللهِ، فقال: اذْبَحوا بقرةً. فقالوا: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾. قال: ﴿أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾. قالوا: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾. قال: ﴿إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ﴾. إلى قولِه: ﴿فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾. قال: فضُرِب، فأخْبَرَهم بقاتلِه. قال: ولم تُؤْخَذِ البقرةُ إلا بوزنِها ذهبًا. قال: ولو أنهم


(١) في النسخ: "ولم". والصواب ما أثبت.