للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. ذُكِر لنا أنه لما أَنْزَل اللهُ أن أهلَ مكةَ لا يُقبَلُ منهم إسلامٌ حتى يُهاجروا، كتَب بها أهلُ المدينةِ إلى أصحابِهم مِن أهلِ مكةَ، فلما جاءَهم ذلك تبايعوا بينَهم على أن يَخْرُجوا، فإن لَحِق بهم المشركون مِن أهلِ مكةَ، قاتَلوهم حتى يَنْجُوا أو يَلْحَقوا باللهِ، فخرَجوا فأدرَكهم المشركون، فقاتَلوهم؛ فمنهم مَن قُتِل، ومنهم مَن نَجا، فأَنْزَل اللهُ تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا﴾ الآية (١).

حدَّثنا أحمدُ بنُ منصورٍ، قال: ثنا أبو أحمدَ الزُّبيريُّ، قال: ثنا محمدُ بنُ شريكٍ، عن عمرِو بنِ دينارٍ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباسٍ، قال: كان قومٌ مِن أهلِ مكةَ أسلَموا، وكانوا يَسْتَخْفُون بالإسلامِ، فأَخْرَجهم المشركون يومَ بدرٍ معهم، فأُصيب بعضُهم، وقُتِل بعضٌ، فقال المسلمون: كان أصحابُنا هؤلاء مسلمين، وأُكرِهوا، فاسْتَغْفِروا لهم. فنزَلت: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ إلى آخر الآيةِ [النساء: ٩٧]. قال: وكُتِب إلى مَن بَقِى بمكةَ من المسلمين هذه الآيةُ؛ لا عذرَ لهم. قال: فخرَجوا فلَحِقَهم المشركون، فأعْطَوْهم الفتنةَ، فنزَلت هذه الآيةُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ إلى آخر الآية [العنكبوت: ١٠]. فكتب المسلمون إليهم بذلك، فخرَجوا وأَيِسوا مِن كلِّ خيرٍ، ثم نزَلت فيهم: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. فكتَبوا إليهم بذلك: إن اللهَ قد جعَل لكم مَخْرَجًا. فخرَجوا،


(١) ذكره الواحدى فى أسباب النزول ص ٢١٣، وعزاه السيوطى فى الدر المنثور ٤/ ١٣٣ إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر.