للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأويلِه.

وقرَأه بعضُ قرأةِ أهلِ المدينةِ: (ولا تكُ فى ضِيقٍ)، بكسرِ الضادِ (١).

وأولى القراءتين بالصوابِ فى ذلك عندَنا قراءةُ مَن قرَأه: ﴿فِي ضَيْقٍ﴾. بفتحِ الضادِ؛ لأنَّ الله تعالى إنما نهَى نبيَّه أن يَضيقَ صدرُه مما يَلقَى مِن أذى المشركين، على تبليغِه إياهم وحيَ اللهِ وتنزيلَه، فقال له: ﴿فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ﴾ [الأعراف: ٢]. وقال: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ﴾ [هود: ١٢]. وإذ كان ذلك هو الذى نهاه تعالى ذِكرُه، ففَتْحُ الضادِ هو الكلامُ المعروفُ من كلامِ العربِ فى ذلك المعنى، تقولُ العربُ: فى صدرى مِن (٢) هذا الأمرِ ضَيقٌ. وإنما تُكسرُ الضادُ في الشيءِ الذى يتَّسِعُ أحيانًا ويضيقُ؛ من قلَّةِ المعاشِ، وضيقِ المسكنِ، ونحوِ ذلك، فإن وقَع الضَّيقُ، بفتحِ الضادِ، فى موقعِ (٣) الضِّيقِ بالكسرِ، كان على أحدِ وجهين؛ إما على جميعِ (٤) الضِّيقةِ (٥)، كما قال أعشى بنى ثعلبةَ (٦):

فَلَئنْ رَبُّكَ مِن رحمتِه … كشَف الضِّيقةَ عنّا وفسَحْ

والآخرُ على تخفيفِ الشيءِ الضَّيِّقِ، كما يخفَّفْ الهيِّنُ الليِّنُ، فيقالُ: هو


(١) بفتح الضاد قرأ نافع وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وبكسر الضاد قرأ ابن كثير، ينظر حجة القراءات ص ٣٩٥، والقراءتان متواترتان، لا تفاضل بينهما.
(٢) في ص، ف: "عن".
(٣) فى م: "موضع".
(٤) فى م: "جمع".
(٥) في ص، ت ١، ت ٢، ف: "الصفة".
(٦) ديوانه ص ٢٣٧.