للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: أنا (١) رجلٌ مِن بنى إسرائيلَ أستفتيك في بعضِ أمرى. فأذِن له، فقال له المَلَكُ: يا نبيَّ اللَّهِ، أتيتُك أستفتيك في أهلِ رَحِمى، وصَلتُ أرحامَهم بما أمَرنى اللَّهُ به، لم آتِ إليهم إلا حسنًا، ولم آلُهم كرامةً، فلا تَزيدُهم كرامتى إيّاهم إلا إسخاطًا لى، فأفتِنِى فيهم يا نبيَّ اللَّهَ. فقال له: أحسِنُ فيما بينَك وبيَن اللَّهِ، وصِل ما أمَرك اللَّهُ أن تَصِلَ، وأبشِرْ بخيرٍ. وانصرَف عنه، فمكَث أيامًا، ثم أقبَل إليه في صورةِ ذلك الرجلِ (١) الذي كان (١) جاءه، فقعَد بيَن يديه، فقال له إرميا: مَن أنت؟ قال: أنا الرجلُ الذي أتيتُك أستفتيك في شأنِ أهلى. فقال له نبيُّ اللَّهِ: أَوَ ما طهُرت (٢) لك أخلاقُهم بعدُ، ولم ترَ منهم الذي تُحِبُّ؟ فقال: يا نبيَّ اللَّهِ، والذي بعثَك بالحقِّ ما أعلَمُ كرامةً يأتيها أحدٌ مِن الناسِ لأهلِ رحِمِه إلا قد أتيتُها إليهم وأفضلَ مِن ذلك. فقال النبيُّ: ارجِعْ إلى أهلِك فأحسِنْ إليهم. أسألُ (٣) اللَّهَ الذي يُصلِحُ عبادَه الصالحين أن يُصلحَ ذاتَ بينِكم، وأن يجمعَكم على مرضاتِه، ويُجنِّبَكم سُخْطَه. فقام المَلَكُ مِن عندِه، فلبِث أيامًا وقد نزَل بختُنصّرَ وجنودُه حولَ بيتِ المقدسِ، بأكثرَ من (٤) الجرادِ، ففزِع مِنهم بنو إسرائيلَ فزعًا شديدًا، وشقّ ذلك على مَلِكِ بنى إسرائيلَ، فدعا إرميا، فقال: يا نبيَّ اللَّهِ، أين ما وعَدك اللَّهُ؟ فقال: إنى بربى واثقٌ. ثم إن الملَكَ أقبَل إلى إرميا وهو قاعدٌ على جدارِ بيتِ المقدسِ يضحكُ ويستبشِرُ بنصرِ ربِّه الذي وعَده، فقعَد بيَن يديه، فقال له إرميا: مَن أنت؟ قال: أنا الذي كنتُ أتيتُك في شأنِ أهلى مرَّتين. فقال له النبيُّ: أوَ لم يأنِ


(١) سقط من: م.
(٢) في م: "ظهرت".
(٣) في التاريخ: "واسأل". وينظر ما تقدم في ٤/ ٥٩٠.
(٤) في م: "ومعه خلائق من قومه كأمثال".