للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿طَائِرَهُ﴾: عملَه (١).

فإن قال قائلٌ: وكيفَ قال: ﴿أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾. إن كان الأمرُ على ما وصفْتَ، ولم يقُلْ: الزمناه في يديهِ ورجليهِ أو غيرِ ذلك من أعضاءِ الجسدِ؟ قيل: لأنَّ العُنُقَ هو موضعُ السِّماتِ، وموضعُ القلائدِ والأطوِقَةِ، وغيرِ ذلك مما يَزينُ أو يَشينُ، فجرى كلامُ العربِ بنسبةِ الأشياءِ اللازمةِ بنى آدمَ وغيرَهم من ذلك إلى أعناقِهم وكثُر استعمالُهم ذلك حتى أضافُوا الأشياءَ اللازمةَ سائرَ الأبدانِ إلى الأعناقِ، كما أضافوا جناياتِ أعضاءِ الأبدانِ إلى اليدِ، فقالُوا: ذلك بما كسبتْ يداه. وإن كان الذي جرَّ عليه لسانُه أو فرجُه، فكذلك قولُه: ﴿أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾.

واختلفتْ القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣)﴾؛ فقرَأه بعضُ أهلِ المدينةِ ومكةَ، وهو نافعٌ وابنُ كثيرٍ وعامةُ قرأةِ العراقِ (٢): ﴿وَنُخْرِجُ﴾ بالنونِ ﴿لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾ بفتحِ الياءِ من ﴿يَلْقَاهُ﴾ وتخفيفِ القافِ منه، بمعنى: ونُخرِجُ له نحنُ يومَ القيامةِ. ردًّا على قولِه: ﴿أَلْزَمْنَاهُ﴾: ونحنُ نُخرِجُ له يومَ القيامةِ كتابَ عملِه منشورًا. وكان بعضُ قرَأَةِ أهلِ الشامِ (٣) يوافقُ هؤلاءِ على قراءةِ قولِه: ﴿وَنُخْرِجُ﴾. ويخالِفُهم في قولِه: ﴿يَلْقَاهُ﴾. فيقرؤه (يُلَقَّاهُ) بضَمِّ الياءِ وتشديدِ القافِ، بمعنى: ونُخرج له نحنُ يومَ القيامة كتابًا يلقاهُ. ثم بردِّه إلى ما لمْ يُسمَّ فاعلُه، فيقولُ: يلقى الإنسانُ ذلك الكتابَ منشورًا.


(١) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ١/ ٣٧٤ عن معمر به.
(٢) ينظر السبعة ٣٧٨، والكشف ٢/ ٤٣.
(٣) هو ابن عامر وحده. ينظر المصادر السابقة.