لَا شِيَةَ فِيهَا﴾. قال: فاضْطُرُّوا إلى بقرةٍ لا يُعْلَمُ على صفتِها غيرُها، هى صفراءُ ليس فيها سَوادٌ ولا بياضٌ.
قال أبو جعفرٍ: وهذه الأقوالُ التى ذكَرْناها عمن ذكرناها عنه مِن الصحابةِ والتابعِين والخالِفِين بعدَهم، مِن قولِهم: إن بنى إسرائيلَ لو كانوا أخَذوا أدْنى بقرةٍ فذبَحوها أجْزَأَت عنهم، ولكنهم شدَّدوا فشدَّد اللهُ عليهم -مِن أوضحِ الدلالةِ على أن القومَ كانوا يَرَون أن حكمَ اللهِ فيما أمَر ونهَى في كتابِه وعلى لسانِ رسولِه ﷺ على العمومِ الظاهرِ دونَ الخُصوصِ الباطنِ، إلا أن يَخُصَّ بعضَ ما عمَّه ظاهرُ التَّنْزيلِ، كتابٌ مِن اللهِ أو رسولُ اللهِ، وأن التنزيلَ أو الرسولَ إن خصَّ بعضَ ما عمَّه ظاهرُ التنزيلِ بحكمٍ خلافِ ما دَلَّ عليه الظاهرُ، فالمخصوصُ مِن ذلك خارجٌ مِن حكمِ الآيةِ التى عمَّت ذلك الجنسَ خاصةً، وسائرُ حكمِ الآيةِ على العمومِ، على نحوِ ما قد بيَّناه في كتابِنا "كتابِ الرِّسالةِ" مِن "لطيفِ القولِ في البيانِ عن أصولِ الأحكامِ"- في قولِنا في العمومِ والخصوصِ، وموافقةِ قولِهم في ذلك قولَنا، ومذهبِهم مذهبَنا، وتَخْطئتِهم قولَ القائلين بالخصوصِ في الأحكامِ، وشَهادتِهم على فسادِ قولِ مَن قال: حُكمُ الآيةِ الجائيةِ مَجِئَ العمومِ على العُمومِ ما لم يُخْتَصَّ منها بعضُ ما عمَّته الآيةُ، فإن خُصَّ منها بعضٌ، فحُكمُ الآيةِ حينَئذٍ على الخصوصِ فيما خُصَّ منها، وسائرُ ذلك على العمومِ.
وذلك أن جميعَ مَن ذكَرْنا قولَه آنِفًا -ممَّن عاب على (١) بنى إسرائيلَ مسألتَهم نبيَّهم ﷺ عن صفةِ البقرةِ التى أُمِروا بذبحِها وسنِّها وحِلْيتِها- رأَوْا أنهم كانوا في مسألتِهم رسولَ اللهِ ﷺ موسى ذلك مُخْطِئِين، وأنهم لو كانوا اسْتَعْرَضوا أدْنى بقرةٍ مِن البقرِ -إذ أُمِروا بذبحِها بقولِه: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ فذبَحوها-