كانوا للواجبِ عليهم مِن أمرِ اللهِ في ذلك مُؤَدِّين، وللحقِّ مُطِيعِين، إذ لم يَكُنِ القومُ حُصِروا على نوعٍ مِن البقرِ دونَ نوعٍ، وسنٍّ دونَ سنٍّ.
ورأَوا مع ذلك أنهم إذ سأَلوا موسى عن سنِّها، فأخْبَرَهم عنها وحصَرَهم منها على سنٍّ دونَ سنٍّ، ونوعٍ دونَ نوعٍ، وخَصَّ مِن جميعِ أنواعِ البقرِ نوعًا منها، كانوا في مسألتِهم إياه المسألةَ الثانيةَ بعد الذى خصَّ لهم من أنواعِ البقرِ، من الخطأِ على مثلِ الذى كانوا عليه من الخطأِ في مسألتِهم إياه المسألةَ الأولى.
وكذلك رَأَوْا أنهم في المسألةِ الثالثةِ على مثلِ الذى كانوا عليه مِن ذلك في الأولى والثانيةِ، وأن اللازمَ كان لهم في الحالةِ الأولى استعمالُ ظاهرِ الأمرِ، وذبحُ أىِّ بهيمةٍ شاءوا مما وقَع عليها اسمُ بقرةٍ.
وكذلك رأَوْا أن اللازمَ كان لهم في الحالةِ الثانيةِ استعمالُ ظاهرِ الأمرِ، وذبحُ أىِّ بهيمةٍ شاءوا مما وقَع عليها اسمُ بقرةٍ عَوَانٍ لا فارضٍ ولا بِكْرٍ، ولم يَرَوْا أن حكمَهم -إذ خُصَّ لهم بعضُ البقرِ دونَ البعضِ فى الحالةِ الثانيةِ- انْتَقَل عن اللازمِ كان لهم في الحالةِ الأولى مِن استعمالِ ظاهرِ الأمرِ إلى الخصوصِ.
ففى إجماعِ جميعِهم على ما رَوَينا عنهم مِن ذلك -مع الروايةِ التى رَوَيناها عن رسولِ اللهِ ﷺ بالموافقةِ لقولِهم- دليلٌ واضحٌ على صحةِ قولِنا في العمومِ والخصوصِ، وأن أحكامَ اللهِ جل ثناؤُه في آىِ كتابِه -فيما أمَر ونهَى- على العمومِ مالم يَخُصَّ ذلك ما يَجبُ التسليمُ له، وأنه إذا خُصَّ منه شيءٌ فالمخصوصُ منه خارجٌ حكمُه مِن حكمِ الآيةِ العامةِ الظاهرِ، وسائرُ حكمِ الآيةِ على ظاهرِها العامِّ، ومُؤَيِّدٌ حقيقةَ ما قلْنا في ذلك، وشاهدٌ عَدْلٌ على فسادِ قولِ مَن خالَف قولَنا فيه.
وقد زعَم بعضُ مَن عظُمَت جَهالتُه، واشْتَدَّت حَيْرتُه، أن القومَ إنما سأَلوا موسى ما سأَلوا بعدَ أمْرِ اللهِ إياهم بذبحِ بقرةٍ مِن البقرِ؛ لأنهم ظنُّوا أنهم أُمِروا بذبحِ بقرةٍ بعينِها