للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنفسنا وأجسادِنا عُبَّادًا لها، بعد إذ هدانا الله له؛ رَهْبَتَك، أو (١) فَرَقًا مِن عُبُودِتِك، اصنع بنا ما بدا لك. ثم قال أصحابُ مَكْسَلْمِينا لدقيانوس مثل ما قال. قال: فلمَّا قالوا ذلك له، أمر بهم فنُزع عنهم لَبُوسٌ كان عليهم من لبوس عظمائِهم، ثم قال: أما إذ فعلتم ما فعلتم، فإنَّى سأُؤَخِّرُكم أن تكونوا من أهل مملكتى وبطانتى وأهل بلاطى (٢) وسأفرُغ لكم، فأُنجزُ لكم ما وعدتُكم من العقوبة، وما يمنعُنى أن أُعَجِّلَ ذلك لكم، إلا أنِّي أراكم فتيانًا حديثةً أسنانُكم، ولا أحبُّ أن أُهلِكُكم حتى أَسْتَأْنِى بكم، وأنا جاعل لكم أجلًا تَذَّكَّرون فيه، وتُراجعون عقولكم. ثم أمر بحليةٍ كانت عليهم من ذهبٍ وفضةٍ، فنُزِعت منهم (٣)، ثم أمر بهم فأُخرجوا من عنده، وانْطَلَق دَقْيانوسُ مكانه إلى مدينةٍ سوى مدينتهم التي هم بها قريبًا منها، لبعض ما يريدُ من أمرِه. فلما رأى الفتيةُ دَقيانوسَ قد خرج من مدينتهم، بادروا قُدومه، وخافوا إذا قدم مدينتهم أن يُذَكَّر بهم، فأْتَمروا بينهم أن يأخذ كلُّ رجُلٍ (٤) منهم نفقةً من بيت أبيه، فيتصدَّقوا منها، ويتزوَّدوا بما بقى، ثم ينطلقوا إلى كهف قريبٍ من المدينة، في جبلٍ يُقال له: بنجلوس (٥). فيمْكُثوا فيه، ويعبدوا الله، حتى إذا رجع دَقْيانوسُ أَتَوْه فقاموا بين يديهِ، فَيَصْنَعُ بهم ما شاء. فَلَمَّا قال ذلك بعضُهم لبعض، عمد كلُّ فتًى منهم، فأخذ من بيت أبيه نفقةً، فتَصَدَّقوا (٦) منها، وانطلقوا بما بقى معهم من نفقتهم، واتَّبعهم كلبٌ لهم، حتى أتَوْا ذلك الكهف الذي في ذلك الجبل، فلبثوا فيه، ليس


(١) في ص، ت ١: "و".
(٢) في م: "بلادى". والبلاط: وجه الأرض الصُّلب، وقصر الحاكم، وحاشيته. ينظر المعجم الوسيط (ب ل ط).
(٣) في م، وعرائس المجالس، وتفسير البغوي: "عنهم".
(٤) في م، ت ١، ت ٢، ف: "واحد".
(٥) في عرائس المجالس: "باجلوس"، وفى تفسير البغوي: "بخلوس".
(٦) في م، وتفسير البغوي: "فتصدق".