للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليَذْبَحوا للطواغيت. فلمَّا أخبرهم بذلك فزعوا فزَعًا شديدًا، ووقعوا سجودًا على وجوههم يدعُون الله، ويتضرَّعون إليه، ويتعوَّذون به من الفتنة، ثم إِنَّ يَمليخا قال لهم: يا إخْوَتاه، ارفعوا رءوسكم، فاطْعَموا من هذا الطعام الذي جئتُكم به، وتوكَّلوا على ربِّكم. فرفعوا رءوسهم، وأعينهم تفيضُ مِن الدمعِ؛ حَذَرًا وتخوُّفًا على أنفسهم، فطَعِموا منه، وذلك مع غروب الشمس، ثم جلسوا يتحدَّثون ويَتَدارَسون، ويُذَكِّرُ بعضُهم بعضًا، على حزنٍ منهم، مشفقين ممَّا أَتاهم به صاحبُهم من الخبر، فبينا (١) هم على ذلك، إذ (٢) ضرب الله على آذانهم في الكهف (٣)، وكلبُهم باسِطٌ ذِراعَيْه بباب الكهف، فأصابهم (٤) ما أصابهم وهم مؤمنون مُوقِنون مُصدِّقون بالوعد، ونفقتُهم موضوعةٌ عندهم، فلمَّا كان الغدُ فقدهم دَقيانوسُ، فالتَمَسَهم فلم يجدهم، فقال لعظماء أهل المدينة: لقد ساءَنى شأن هؤلاء الفتية الذين ذهَبوا، لقد كانوا يَظُنُّون أنَّ بى غضَبًا عليهم فيما صَنَعوا في أوَّلِ شأنهم، لجهلهم ما جهلوا من أمرى، ما كنتُ لأحمل (٥) عليهم في نفسى، ولا أُؤَاخِذَ أحدًا منهم بشيءٍ إن هم تابوا وعبدوا آلهتى، ولو فعلوا لَتَرَكتُهم، وما عاقبتُهم بشيءٍ سلف منهم. فقال له عظماء أهل المدينة: ما أنت بحقيقٍ أن ترحم قومًا فَجَرَةً مَرَدَةً عُصاةً، مُقيمين على ظُلْمِهم ومعصيتهم، وقد كنتَ أجلتهم أجلًا، وأخَّرتهم عن العقوبة التي أصبتَ بها غيرهم، ولو شاءوا لرجعوا في ذلك الأجَلِ، ولكنَّهم لم يتوبوا ولم يَنْزِعوا ولم يندموا على ما فعلوا، وكانوا منذ انطلَقْتَ يُبذِّرون أموالهم بالمدينةِ، فلمَّا


(١) في ت،١ ت ٢، وعرائس المجالس، وتفسير البغوي: "فبينما".
(٢) ليس في: ص، ت، ت ٢، ف.
(٣) بعده في م: "سنين عددا".
(٤) في عرائس المجالس، وتفسير البغوي: "فأصابه".
(٥) في م: "لأجهل".