للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصالح تيذوسيسُ، دخل بيته فأغلقه عليه، ولبس مِسْحًا، وجعل تحته رمادًا، ثم جلس عليه، فدأب ذلك ليله ونهاره زمانًا يتضرع إلى الله، ويَبْكى إليه مما يرى فيه الناسَ، ثم إنَّ الرحمن الرحيم الذي يكره هلكة العبادِ، أراد أن يُظْهِرَ على الفتية أصحاب الكهف، ويبيِّن للناس شأنهم، ويجعلهم آيةً لهم، وحُجةً عليهم؛ ليعلموا أن الساعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأن يستجيب لعبده الصالح تيذوسيسَ، ويتمَّ نعمته عليه، فلا يَنْزِعَ منه ملكه، ولا الإيمان الذي أعطاه، وأن يَعْبُدَ اللَّهَ لا يُشْرِكُ به شيئًا، وأن يَجْمَعَ مَن كان تبدَّدَ من المؤمِنين؛ فأَلْقَى اللَّهُ في نفسِ رجلٍ من أهل ذلك البلد الذي به الكهف - وكان الجبل بنجلوس الذي فيه الكهف لذلك الرجل، وكان اسمُ ذلك الرجلِ أولياس - أن يَهْدِمَ البنيان الذي على فم الكهف. فيبني به حظيرةً لغنمه، فاستأجر عامِلَين، فجعَلا يَنزِعان تلك الحجارة، ويبنيان بها تلك الحظيرة، حتى نزعا ما على فم الكهف، حتى فتحا باب الكهف، وحجَبَهم الله من الناس بالرُّعب، فَيَزْعُمون أن أشجَعَ من يُريدُ أن ينظُرَ إليهم [غايةَ ما يُمكنه] (١) أن يَدْخُلَ من باب الكهف، ثم يتقدَّمَ حتى يرى كلبهم دونَهم إلى بابِ الكهف نائمًا، فلما نزعا الحجارة وفتحا (٢) بابَ الكهف، أذن الله ذو القدرة والعظمة والسلطان محيى الموتى للفتية أن يجلسوا بين ظهرى الكهف، فجلسوا فرحين، مُسْفِرةً وجوههم، طيِّبةً أنفسهم، فسلم بعضُهم على بعضٍ، حتى كأَنَّما استَيْقَظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون لها إذا أصبحوا من ليلتهم التي يبيتُون فيها، ثم قاموا إلى الصلاة فصلوا كالذى كانوا يفعلون، لا يَرون ولا يُرى في وجوههم ولا أبشارهم ولا ألوانهم شيءٌ يُنكرونه، كهيئتهم (٣) حين رقدوا بعشيٍّ أمسٍ، وهم يرون أن ملِكَهم


(١) سقط من: ص، ت ١، ت ٢، ف.
(٢) بعده في م: "عليهم".
(٣) في ت ٢: "كهيئاتهم".