للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكهفِ، رَأى الحجارةَ مَنْزوعةً عن باب الكهف، فعجب منها، ثم مرَّ فلم يُبال بها، حتى أتى المدينة مستخفيًا يصُدُّ عن الطريقِ؛ تخوفًا أن يراه أحدٌ من أهلها فيعرفه، فيذهب به إلى دقينوس، ولا يَشْعُرُ العبد الصالح أن دقينوس وأهل زمانه قد هلكوا قبل ذلك بثلاثمائةٍ وتسع سنين، أو ما شاء الله من ذلك، إذ كان ما بينَ أن نامُوا إلى أَنِ اسْتَيْقظوا ثلاثمائةٍ وتسع سنين، فلما رأى يمليخا باب المدينة رفع بصره، فرأى فوق ظهر الباب علامةً تكونُ لأهل الإيمان إذا كان [أمر أهل الإيمان] (١) ظاهرًا فىها، فلما رآها عجب وجعل ينظُرُ مستخفيًا إليها، فنظر يمينا وشمالًا، فعجب (٢) بينه وبين نفسه، ثم ترك ذلك البابَ، فتحوَّل إلى باب آخر من أبوابها، فنظر فرأى مِن ذلك ما يُحيطُ بالمدينة كلِّها، ورأى على كلِّ بابٍ مثل ذلك، فجعل يُخيَّلُ إليه أن المدينة ليست بالمدينة التي كان يَعْرِفُ، ورأى ناسًا كثيرًا (٣) محدثين لم يكن يراهم قبل ذلك، فجعل يمشى ويعجَبُ، ويُخيَّلُ إليه أنَّه حَيْرانُ، ثم رجع إلى البابِ الذي أتى منه، فجعَل يَعْجَبُ بينه وبين نفسه ويقولُ: يا ليت شعرى، أمَا هذه عشية أمس فكان المسلمون يُخفون هذه العلامةَ ويَسْتَخْفُون بها، وأمّا اليوم فإنَّها ظاهرةٌ، لعلِّى حالمٌ! ثم يرى أنه ليس بنائمٍ، فأخَذ كساءَه فجعله على رأسه، ثم دخل المدينةَ فجعل يمشى بين ظهرَيْ (٤) سوقها، فيسْمَعُ ناسًا كثيرًا يَحْلِفون باسم عيسى ابن مريم، فزادَه فرقًا، ورأى أنه حَيْرانُ، فقام مُسنِدًا ظهره إلى جدارٍ من جُدرِ المدينة ويقولُ في نفسه: واللَّهِ ما أَدْرِى ما هذا؟ أمّا عشية أمس فليس على الأرضِ إنسانٌ يَذْكُرُ عيسى ابن مريم إلا قُتل، وأما الغداةَ فَأَسْمَعُهم وكلُّ إنسانٍ يَذْكُرُ أَمرَ عيسى لا يخافُ! ثم قال في


(١) سقط من: ص، م، ت ١، ف.
(٢) في م، ت ٢: "فتعجب".
(٣) في م: "كثيرين".
(٤) في ص، ت ١، ف: "ظهرانى".