للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نفسه: لعلَّ هذه ليست بالمدينة التي أعْرِفُ، أسمع كلام أهلها، ولا أعرفُ أحدًا منهم، والله ما أعلمُ مدينةٌ قُربَ مدينتنا! فقام كالحيران لا يتوجَّهُ وجهًا، ثم لقى فتًى مِن أَهلِ المدينة، فقال له: ما اسم هذه المدينة يا فتى؟ قال: اسمُها أُفْسُوسُ. فقال في نفسه: لعلَّ بى مسًّا، أو بى أمرًا أَذْهَب عقلى، واللَّهِ يحقُّ لى أن أُسرِعَ الخروج منها قبلَ أَن أُخْرَى فيها، أو يصيبنى شرٌّ (١) فأهلك. هذا الذي يُحدِّثُ به يمليخا أصحابه حين يبيِّن (٢) لهم ما بهم (٣)، ثم إنه أفاق فقال: والله لو عجَّلتُ الخروج من المدينة قبل أن يُفْطَنَ (٤) بى لكان أكيس لى. فدنا من الذين يبيعُون الطعامَ، فأَخْرَج الورق التي كانت معه، فأعطاها رجلًا منهم، فقال: بعنى بهذه الوَرِقِ يا عبدَ اللَّهِ طعامًا. فأخذها الرجلُ، فنظر إلى ضَرْبِ الوَرِقِ ونقشِها، فعجب منها، ثم طرحها إلى رجلٍ من أصحابه فنظر إليها، ثم جعلوا يتطارَحُونها بينهم من رجلٍ إلى رجلٍ، ويتعجَّبُون منها، ثم جعَلُوا يَتَشاورون بينهم ويقولُ بعضُهم لبعضٍ: إنَّ هذا الرجل قد أصاب كنزًا خبيئًا في الأرضِ منذ زمانٍ ودهرٍ طويلٍ. فلما رآهم يَتَشاوَرُون من أجلِه فرق فَرَقًا شديدًا، وجَعَل يَرْتَعِدُ ويَظُنُّ أَنهم قد فطنوا به وعرفوه، وأنَّهم إنما يُريدون أن يَذْهَبوا به إلى ملكهم دقينوس يُسلِّمونه إليه، وجعل ناسٌ آخرون يأتونه فيتعرَّفونه، فقال لهم وهو شديدُ الفَرَقِ منهم: أفضلوا عليَّ، قد (٥) أخَذْتم وَرقى فأمسكوا، وأما طعامُكم فلا حاجة لى به. فقالوا له: من أنت يا فتى؟ وما شأنُك؟ والله لقد وَجَدْتَ كَنزًا من كُنوز الأوَّلين، وأنت تُريدُ أن تُخْفِيَه منا، انطلق معنا فأرناه، وشاركنا فيه نُخْفِ عليك ما وَجَدْتَ، فإنَّك إن لا تفعَلْ نَأْتِ بك السلطان،


(١) في ت ٢: "شيء".
(٢) في ص، م، ف: "تبين".
(٣) في م، ت ٢: "به".
(٤) في ص، ت ١، ف: "يظفر".
(٥) في م، ت ٢: "فقد".