للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتُسلِّمْك إليه فيقْتُلْك. فلمّا سمع قولهم، عجب في نفسه فقال: قد وقعتُ في كلَّ شيءٍ كنتُ أحذَرُ منه. ثم قالوا: يا فتى، إِنَّكَ واللَّهِ ما تَسْتَطِيعُ أَن تَكْتُمَ ما وَجَدْتَ، [ولا تَظُنُّ في] (١) نفسك أنه سيَخْفَى لك (٢). فجعل يمليخا لا يَدْرِى ما يقول لهم وما يَرْجِعُ إليهم، وفرق حتى ما يُحِيرُ إليهم جوابًا (٣)، فلمّا رَأَوْه لا يتكلَّمُ أخَذوا كساءَه فطوَّقوه (٤) في عُنقِه، ثم جعلوا يقودُونه في سِكَكِ المدينةِ مُلَبَّبًا (٥). حتى سمع به من فيها، فقيل: أُخِذ رجلٌ عنده كنزٌ. واجتمع عليه أهلُ المدينة صغيرهم وكبيرُهم، فجعلوا ينظرون إليه ويقولُون: والله ما هذا الفتى من أهل هذه المدينة (٦)، وما رأيناه فيها قطُّ، وما نَعْرِفُه. فجعل يمليخا لا يَدْرِى ما يقولُ لهم، مع ما يَسْمَعُ منهم، فلما اجتمع عليه أهلُ المدينة فرق، فسكت فلم يتكلَّم، ولو أنه قال: إنَّه من أهل المدينة، لم يُصدَّق، وكان مستيقنًا أنَّ أباه وإخوته بالمدينة، وأن حَسَبه مِن أهل المدينة من عُظماء أهلها، وأنهم سيأتونه إذا سمعوا، وقد استيقن أنَّه من (٧) عشية أمس يعرِفُ كثيرًا من أهلها، وأنَّه لا يَعْرِفُ اليومَ مِن أهلها أحدًا، فبينما هو قائمٌ كالحيران ينتظرُ متى يأتيه بعض أهله؛ أبوه أو بعض إخوته، فيخلِّصه من أيديهم، إذ اختطفوه فانطلقوا به إلى رأسى (٨) المدينة ومدبِّريها اللذين يُدبِّران أمرها، وهما رجلان صالحان، كان اسمُ أحدهما أريوس، واسمُ الآخر أسطيوس، فلما انطلق به


(١) في ص، ف: "ولا وجدت من"، وفى ت ١: "وما وجدت من".
(٢) في م: "حالك".
(٣) في ص، ت ١، ف: "شيئًا".
(٤) في ص، ت ٢: "فطووه".
(٥) لببت الرجل ولبَّبته: إذا جعلت في عنقه ثوبًا أو غيره وجررته به. ينظر النهاية ٤/ ٢٢٣.
(٦) في ت ٢: "القرية".
(٧) سقط من: ص، ت ١، ف.
(٨) في م: "رئيسى".