للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلِّ أخباره، وإذا جاز ذلك في أخباره، جاز في أخبار غيره أن يُضاف إليه أنَّها أخْبارُه، وذلك قلبُ أعيانِ الحقائق وما لا يُخيَّلُ فسادُه.

فإن ظنَّ ظانٌّ أن قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾. دليلٌ على أنَّ قولَه: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ﴾. خبرٌ منه عن قوم قالوه، فإنَّ ذلك كان يجبُ أن يكونَ كذلك لو كان لا يَحْتَمِلُ مِن التأويل غيره، فأمَّا وهو محتملٌ ما قلنا من أن يكونَ معناه: قل الله أعلمُ بما لبثوا إلى يوم أنزَلْنا هذه السورة. وما أشبه ذلك من المعانى، فغيرُ واجبٍ أن يكونَ ذلك دليلًا على أن قوله: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ﴾. خبرٌ من الله عن قومٍ قالوه، وإذا لم يكن دليلًا على ذلك، ولم يأتِ خبرٌ بأنَّ قوله: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ﴾. خبرٌ من الله عن قوم قالوه، ولا قامت بصحة ذلك حجةٌ يجبُ التسليم لها - صحَّ ما قلنا، وفسد ما خالفه.

واختلفتِ القرَأَةُ في قراءة قوله: ﴿ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ﴾؛ فقرأت ذلك عامةُ قرَأةِ المدينة والبصرة وبعضُ الكوفيين: ﴿ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ﴾. بتنوينِ ﴿ثَلَاثَ مِائَةٍ﴾. بمعنى: ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائةٍ (١).

وقرأته عامةُ قرأة أهل الكوفة: (ثَلاثَمائِةِ سِنِينَ). بإضافة (ثلاثمائة) إلى "السنين"، [غير منوَّنٍ] (٢).

وأولى القراءتين في ذلك عندى بالصواب (٣) قراءةُ مَن قرأه: ﴿ثَلَاثَ مِائَةٍ﴾. بالتنوين، ﴿سِنِينَ﴾. وذلك أن العرب إنما تُضيف المائة إلى ما يفسِّرها إذا جاء تفسيرُها بلفظ الواحد، وذلك كقولهم: عندى (٤) ثلاثُمائة درهمٍ، وعندى مائةُ


(١) وهى قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو وعاصم وابن عامر. السبعة لابن مجاهد ص ٣٨٩.
(٢) سقط من: ت ٢، وفى ت ١: "بغير تنوين". وهى قراءة حمزة والكسائى. المصدر السابق ص ٣٩٠.
(٣) القراءتان كلتاهما صواب، وليست إحداهما أولى من الأخرى.
(٤) سقط من: م، ت ٢.