للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شرِب الفتى من الماءِ فخُلِّد، فأخَذه العالِمُ فطابَق به سفينةً، ثم أرسَله في البحرِ، فإنها لتموجُ به إلى يوم القيامة، وذلك أنه لم يَكُنْ له أن يشرب منه فشرِب (١).

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ الآية. قال: لما ظهَر موسى وقومُه على مصرَ، أَنزَل قومَه مصرَ، فلما استقرت بهم الدارُ أنزل الله عليه، أن ذكِّرْهم بأيَّام اللهِ. فخطب قومه، فذكر ما آتاهم اللهُ من الخيرِ والنعمةِ، وذكَّرَهم إذ أنجاهم اللهُ من آلِ فرعونَ، وذكَّرَهم هلاكَ عدوِّهم، وما استخلَفهم اللهُ في الأرضِ، وقال: كلَّم الله نبيَّكم تكليمًا، واصطفَاني لنفسه، وأنزَل عليَّ محبةً منه، وآتاكم اللهُ من كلِّ ما سأَلتموه، فنبيُّكم أفضلُ أهلِ الأرضِ، وأنتم تقرَءُون التوراةَ. فلم يترُكْ نعمةً أنعمَها اللهُ عليهم إلَّا ذكَرها، وعرَّفها إياهم. فقال له رجلٌ من بني إسرائيلَ: هو كذلك يا نبيَّ اللهِ، قد عرَفنا الذي تقولُ، فهل على الأرضِ أحدٌ أعلمُ منك يا نبيَّ الله؟ فقال: لا. فبعَث اللهُ جبريلَ إلى موسى ، فقال: إن اللهَ يقولُ: وما يُدْرِيكَ أين أَضَعُ عِلْمى؟ بلى، إن على شطَّ البحرِ رجلًا أعلمَ منكَ. فقال ابنُ عباسٍ: هو الخَضِرُ. فسأَل موسى ربَّه أن يُرِيَه إياه، فأوحَى اللهُ إليه أن ائْتِ البحرَ، فإنك تجِدُ على شطَّ البحرِ حُوتًا، فخُذْه فادفَعْه إلى فتَاك، ثم الزَمْ شطَّ البحرِ، فإذا نسِيتَ الحوتَ وهلَك منكَ، فثَمَّ تَجِدُ العبدَ الصالحَ الذى تطلُبُ. فلما طال سفرُ موسى نبيِّ اللهِ ، ونَصِب فيه، سأَل فتاه عن الحوتِ، فقال له فتاه، وهو غلامُه: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ لك. قال الفتى: لقد رأَيتُ الحوتَ حينَ اتَّخَذ سبيلَه في البحرِ سَرَبًا. فأعجَب ذلك موسى،


(١) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٣٧٥.