للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذى نقولُ به فى ذلك أن اللهَ تعالى ذكرُه بلطفه جعَل الكلامَ بين خلقِه رحمةً منه بهم، ليُبِينَ بعضُهم لبعضٍ عمَّا في ضمائرِهم مما لا تُحِسُّه أبصارُهم، وقد عَقَلتِ العربُ معنَى القائلِ (١):

في مَهْمَهٍ قَلِقَتْ به هاماتُهَا … قَلَقَ الفُئُوس إذا أَرَدْنَ نُصُولا (٢)

وفهِمَت أن الفُئوس لا تُوصَفُ بما تَوصَفُ به بنو آدمَ من ضمائرِ الصدورِ، مع وصْفِها إيَّاها بأنَّها تُريدُ، وعَلِمَت ما يريدُ القائلُ بقولِه:

كمثْلِ هَيْلِ النَّقا (٣) طافَ المُشاةُ به … يَنْهالُ حِينًا ويَنْهاه الثَّرَى حِينًا

وأنَّه (٤) لم يُرِدْ بأنَّ الثَّرى نطَق، ولكنَّه أراد به أنه تلبَّدَ بالنَّدَى فمنَعه من الانْهيالِ، فكان مَنْعُه إيَّاه من ذلك كالنَّهْي من ذَوى المَنطِقِ فلا ينهالُ. وكذلك قولُه: ﴿جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾. قد عَقَلَت (٥) أن معناه: قد قارَب من أن يقَعَ أو يسقُطَ. وإنما خاطَب جلَّ ثناؤُه بالقرآنِ من أُنزِل الوحْيُ بلسانِه، وقد عَقَلوا ما عنَى به، وإِن اسْتَعَجَمَ عن فَهْمِه ذوو البلادةِ والعَمَى، وضلَّ فيه ذوو الجهالةِ والغَبَا.

وقولُه: ﴿فَأَقَامَهُ﴾. ذُكِر عن ابنِ عباسٍ أنَّه قال: هدَمه ثم قعَد يبْنيه. حدَّثنا بذلك ابنُ حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، قال: ثنى ابنُ إسحاقَ، عن الحسنِ ابن عُمارة، عن الحكمِ بنِ عُتيبةَ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ (٦).


(١) هو الراعى النميرى، والبيت في ديوانه ص ٢٠٢.
(٢) النصول: الخروج، يقال: سهم ناصل. إذا خرج منه نصله. اللسان (ن ص ل).
(٣) النقا مقصور: الكثيب من الرمل. اللسان (ن ق و).
(٤) فى ص، م، ت ١، ت ٢، ف: "إنما".
(٥) فى ص، م، ت ١، ف: "علمت"، وفي ت ٢: "علقت".
(٦) تقدم تخريجه في ص ٣٢٩.