للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمعنى أمامى. وقد أَغفل وجهَ الصوابِ في ذلك، وإنما قيل لِمَا بينَ يديك (١): هو ورائى. لأنك مِن ورائِه، فأنتَ مُلاقيه كما هو مُلاقيك، فصار إذ كان مُلاقِيَك كأنه مِن وَرائِك وأنت أمامَه.

وكان بعضُ أهل العربيةِ من أهلِ الكُوفةِ (٢) لا يُجِيزُ أن يُقالَ لرجلٍ بينَ يديْك: هو ورائى. ولا إذا كان وراءَك أن يقالَ: هو أمامى. ويقولُ: إِنما يَجُوزُ ذلك في المواقيتِ من الأيامِ والأزمنةِ؛ كقولِ القائلِ: وراءَك بَرْدٌ شديدٌ. وبينَ يديْك حرٌّ شديدٌ؛ لأنك أنت وراءَه، فجاز؛ لأنه شيءٌ يأتى، فكأنه إذا لَحِقَك صار مِن ورائِك، وكأنك إذا بَلَغْتَه صار بين يديك. قال: فلذلك جاز الوجهان.

وقولُه: ﴿يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ فيقولُ (٣) القائلُ: فما أغنى خَرْقُ هذا العالِمَ السفينةَ التي رَكِبها عن أهلِها، إذ الذى (٤) كان من أجلِه (٥) خَرَقَها يَأْخُذُ السفنَ كلَّها؛ مَعِيبَها وغيرَ مَعِيبِها؟ وما كان وجهُ اعتلالِه فى خرقِها بأنه خرَقها؛ لأنَّ وراءَهم ملكٌ يأخُذُ كلَّ سفينةٍ غصبًا؟

قيل: إن معنى ذلك أنه يأخُذُ كلَّ سفينةٍ صحيحةٍ غصبًا، ويَدَعُ منها كلَّ مَعِيبةٍ، لا أنه كان يأخُذُ صِحاحَها وغيرَ صِحاحِها. فإن قال: وما الدليلُ على أن ذلك كذلك؟ قيل: قولُه: ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾، فأَبانَ بذلك أنه إنما عابَها لأن المَعِيبةَ منها لا يَعْرضُ لها، فاكتُفِى بذلك من أن يقالَ: وكان وراءهم ملكٌ يأخُذُ كلَّ سفينةٍ صحيحةٍ غصبًا. على أن ذلك فى بعض القراءةِ كذلك (٦).


(١) في ص، م، ت ٢، ف: "يديه".
(٢) هو الفراء في معاني القرآن ٢/ ١٥٧.
(٣) في ص، ت ١، ف: "يقولُ".
(٤) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ف.
(٥) في م: "أجل".
(٦) وهي قراءة شاذة كما سبق.