للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَوْلَى التأويلين في ذلك بالصوابِ القولُ الذي قاله عكرمةُ؛ لأن المعروفَ من كلامِ العربِ أن الكَنْزَ اسمٌ لِمَا يُكْنَزُ من مالٍ، وأن (١) كلَّ ما كُنز فقد وقَع (٢) عليه اسمُ كَنزٍ، فإن التأويلَ مصروفٌ إلى الأغلبِ من استعمالِ المخاطَبِين بالتنزيلِ، ما لم يَأْتِ دليلٌ يَجِبُ من أجله صرفُه إلى غيرِ ذلك؛ لعللٍ قد بَيَّناها في غيرِ موضعٍ، وقولُه: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا﴾. يقولُ: فأراد ربُّك أن يُدْرِكا ويَبْلُغا قوَّتَهما وشِدَّتهما، ﴿وَيَسْتَخْرِجَا﴾ حينَئذٍ ﴿كَنْزَهُمَا﴾ المكنوزَ تحتَ الجدارِ الذي أَقَمْتُه ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ بهما. يقولُ: فعلتُ فعلى (٣) هذا بالجدارِ رحمةً من ربِّكَ لليَتِيمَيْن.

وكان ابن عباسٍ يقولُ في ذلك ما حدَّثني به موسى بنُ عبدِ الرحمنِ، قال: ثنا أبو أسامةَ، عن مشعَرِ، عن عبد الملكِ بن مَيْسَرَةَ، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، قال: قال ابن عباسٍ في قولِه: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾. قال: حُفِظا بصلاحِ أبيهما، وما ذُكِر منهما صلاحٌ (٤).

حدَّثنا أبو كُرَيْب، قال: ثنا سفيانُ، عن مِسْعَرٍ، عن عبدِ الملكِ بن مَيْسَرَةً، عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، عن ابن عباسٍ بمثلِه (٥).

وقولُه: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمرِي﴾. يقولُ: وما فعلتُ يا موسى جميعَ الذي رأيتَني فعَلتُه عن رأيِي ومن تِلْقاءِ نفسى، وإنما فعَلتُه عن أمرِ اللهِ إياىَ به.


(١) بعده في الأصل: "كان".
(٢) في الأصل، ت ٢: "يقع".
(٣) سقط من: م.
(٤) أخرجه ابن المبارك في الزهد (٣٣٢) من طريق مسعر به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٢٣٥ إلى أحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٥) أخرجه الحميدى في مسنده (٣٧٢)، والحاكم ٢/ ٣٦٩ من طريق سفيان.