للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما حدَّثنا بِشْرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾، كان عبدًا مأمورًا، فمضَى لأمرِ اللَّهِ (١).

حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾، ما رأيتَ أَجْمَعَ ما فعلتُه عن نفسى.

وقولُه: ﴿ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾. يقولُ: هذا الذي ذكَرْتُ لك من الأسبابِ التي من أجلِها فعلتُ الأفعالَ التي استَنكَرْتَها منِّى ﴿تَأْوِيلُ﴾. يقولُ: ما تَقُولُ إليه وتَرْجِعُ الأفعالُ التي لم تَسْتَطِعْ (٢) على تركِ مسئلتِك إيايَ عنها وإنكارِكها (٣) صبرًا.

وهذه القِصصُ التي أخبر اللهُ ﷿ نبيِّه محمدًا بها عن موسى وصاحبِه، تأديبٌ منه له، وتَقَدُّمٌ إليه بترك الاستعجالِ بعقوبة المشركين الذين كذبوه واستَهْزَءوا (٤) بكتابِه، وإعلامٌ منه له أن أفعالَه وإن جرَتْ فيما ترَى الأعينُ بما قد يَجْرِى مثله أحيانًا لأوليائِه، فإن تأويلَه صائرٌ بهم إلى أحوالِ أعدائِه فيها، كما كانت أفعالُ صاحبِ موسى واقعةً بخلافِ الصحةِ في الظاهرِ عند موسى، إذ لم يكنْ عالمًا بعواقبِها، وهى ماضيةٌ على الصحةِ في الحقيقةِ، وآيِلةٌ إلى الصوابِ في العاقبةِ، يُنْبِيءُ عن صحةِ ذلك قولُه: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ [الكهف: ٥٨]. ثم عَقَّب ذلك بقصةِ موسى وصاحبه؛ يُعْلِمُ نبيَّه أن تَرْكَه تَعْجِيلَ العذابِ لهؤلاء


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٢٣٨ إلى ابن أبي حاتم.
(٢) في ص، م، ت ١، ف: "تسطع".
(٣) في ص، م، ت ١، ف: "إنكارك لها".
(٤) بعده في م: "به و".