للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصوابُ عندى مِن القولِ في ذلك، أنهما قراءتان مُستَفِيضَتان في قرأةِ الأمصارِ، غيرُ دافعةٍ إحداهما الأخرى؛ وذلك أن القومَ الذين أخبرَ اللهُ عنهم هذا الخبرَ، جائزٌ أن يكونوا كانوا لا يكادون يفقهون قولًا لغيرِهم عنهم، فيكونَ صوابًا القراءةُ بذلك؛ وجائزٌ أن يكونوا - مع كونِهم كذلك - كانوا لا يكادون [يُفقِهون غيرَهم عنهم] (١) لعِللٍ، إما بألسنتِهم، وإما بمنَطِقِهم، فتكونَ القراءةُ بذلك أيضًا صوابًا.

وقولُه: ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾. اخْتَلَفَت القرأةُ في قراءةِ قوله: ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ﴾؛ فقرَأت القرآةُ من أهلِ الحجازِ والعراقِ وغيرِهم: (إنَّ يَاجُوج وماجُوجَ) بغيرِ همزٍ على "فاعُول"، مِن: يجَجْتُ ومَجَجْتُ. وجعلوا الألفين فيهما زائدتين، غيرَ عاصمٍ بن أبي النَّجودِ (٢) والأعرجِ؛ فإنه ذُكِرَ أنهما قرأا ذلك بالهمزِ فيهما جميعًا، وجعَلا الهمزَ فيهما من أصلِ الكلام، وكأنهما جعَلا يَأْجُوجَ: "يفعُولَ" من: أَجَجْتُ. ومَأْجُوجَ، مَفْعُول.

والقراءةُ التي هي القراءةُ الصحيحةُ عندَنا (٣) (إن ياجوُجَ وماجُوجَ) بألفٍ بغيرِ همزٍ؛ لإجماع الحجةِ من القرأةِ عليه، وأنه الكلامُ المعروفُ على ألسنِ العربِ؛ ومنه قولُ رُؤبَةَ بن العجَّاجِ (٤):

لو أنَّ ياجوجَ وماجُوجَ مَعَا … وعادَ عادٌ (٥) واستَجاشُوا تُبَّعا

وهما (٦) أمَّتان من وراءِ السَّدِّ.


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ف: "أن يفقهوا غيرهم".
(٢) ينظر السبعة في القراءات ص ٣٩٩.
(٣) القراءتان بالهمز وتركه - كلتاهما صواب
(٤) ديوانه (مجموعة أشعار العرب) ص ٩٢.
(٥) في ص، م، ت ١، ت ٢، ف: "عادوا".
(٦) في م: "هم".