للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَمعَك، فتَعِى كلَّ شيءٍ، وأمُدُّ لك بصَرَك، فتَنفُذُ كلَّ شيءٍ، وأُدبِّرُ لك أمرك، فتُتقِنُ كلَّ شيءٍ، وأُحصِى لك فلا يَفوتُك شيءٌ، وأحفَظُ عليك، فلا يَعزُبُ عنك شيءٌ، وأشدُّ لك ظَهرَك، فلا يَهُدُّك شيءٌ، وأشُدُّ لك رُكنك، فلا يَغلِبُك شيءٌ، وأشُدُّ لك قَلبَك، فلا يَرُوعُك شيءٌ، وأشدُّ لك عقلك، فلا يَهُولُك شيءٌ، وأبسُطُ لك مِن بين يدَيك، فتَسطو فوقَ كلِّ شيءٍ، وأشدُّ لك وَطأتَك، فتَهُدُّ كُلَّ شيءٍ، وأُلبِسُكَ الهَيبَةِ فلا يَرومُك شيءٌ، وأُسخِّرُ لك النُّورَ والظُّلمةَ، فأجعَلُهما جُندًا مِن جنودِكَ، يَهدِيك النورُ مِن أمامِك، وتَحوطُك الظلمةُ مِن وَرائِكَ.

ولمَّا قيل له ذلك، انطَلَق يَؤُمُّ الأُمَّةَ التي عندَ مَغرِبِ الشمس، فلمَّا بَلَغَهم، وجَد جَمعًا وعددًا لا يُحَصِيهِ إلا اللهُ، وقُوَّةً وبأسًا لا يُطيقه إلا الله، وألسنةً مختلفةً، وأهواء مُتشتِّتةً، وقلوبًا مُتفرِّقةً، فلمَّا رأى ذلك كابَرهم (١) بالظُّلمة، فضرَب حولَهم ثلاثةَ عساكرَ مِنها، فأحاطَتْهم من كلِّ مكانٍ، وحاشَتْهم حتى جَمَعتْهم في مكانٍ واحدٍ، ثم أخَذ عليهم بالنُّورِ، فدَعاهم إلى اللهِ وإلى عبادتِه، فمنهم مَن آمَن له، ومِنهم مَن صَدَّ، فعَمَد إلى الذين تَوَلُّوا عنه فأدخَلَ عليهم الظلمةَ، فَدَخَلتْ في أفواهِهم وأُنُوفِهم وآذانِهم وأجْوافِهم، ودخَلَت في بيوتِهم ودُورِهم، وغَشِيَتهم مِن فوقِهم، ومِن تحتِهم، ومن كلِّ جانبٍ منهم، فماجُوا فيها (٢) وتَحَيَّرُوا، فلمَّا أشفَقوا أن يَهلِكوا فيها، عَجُّوا (٣) إليه بصوتٍ واحدٍ، فكشَفَها عنهم وأخَذَهم عَنوَةً، فدخَلوا في دعوتِه، فجَنَّد مِن أهلِ المَغرِبِ أممًا عظيمةً، فجَعَلهم جندًا واحدًا، ثم انطَلَق بهم يقودُهم، والظُّلمةُ تَسوقهم مِن خَلفِهم،


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ف: "كاثرهم".
(٢) في الأصل: "فيه".
(٣) في ت ١، ف: "ضجوا". وضَجَّ: إذا صاح مستغيثًا. وعجَّ: إذا صاح ورفَع صوتَه. وقيده الأزهريُّ بالدعاء والاستغاثة. ينظر تاج العروس (ض ج ج)، (ع ج ج).