للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثني بحرُ بنُ نَصرٍ، قال: أخبَرنا ابن وهبٍ، قال: ثني معاويةُ، عن أبي الزَّاهِرِيَّةِ وشُريحِ بن عُبيدٍ: إن يأجوجَ ومأجوجَ ثلاثةُ أصنافٍ؛ صِنفٌ طولُهم كطولِ الأرزِ (١)، وصِنفٌ طولُه وعَرضُه سواءٌ، وصِنفٌ يفتَرِشُ أحدُهم أُذُنَه، ويَلتَحِفُ الأُخرَى فتُغطِّى سائرَ جَسَدِه (٢).

فالخبرُ الذي ذكَرناه عن وهبِ بن مُنبهٍ في قصةِ يأجوجَ ومأجوجَ، يدلُّ على أن الذين قالوا لذي القَرنين: ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾، إنما أَعْلَمُوه خوفهم ما يحدُثُ مِنهم من الإفسادِ في الأرضِ، لا أنَّهم شَكَوا مِنهم إفسادًا كان مِنهم، فيهم أو في غيرِهم. والأخبارُ عن رسولِ اللهِ [تُخْبِرُ عنهم] (٣) أنَّهم سيكونُ مِنهم الإفسَادُ في الأرضِ، ولا دَلالةَ فيها أنَّهم قد كان منهم - قبلَ إحداثِ ذِى القَرنَين السَّدَّ الذي أحدَثه بينَهم وبينَ مَن دونَهم مِن الناسِ (٤) غيرِهم - إفسادٌ.

فإذْ كان ذلك كذلك بالذي بيَّنا، فالصَّحيحُ مِن تأويلِ قولِه: ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾: إن يأجوجَ ومأجوجَ سَيُفسِدون في الأرضِ.

وقولُه: ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا﴾. اختلَفتِ القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأته عامَّةُ قرأةِ المدينةِ والبصرةِ وبعضُ أهلِ الكوفةِ: ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا﴾ (٥). كأَنَّهم نَحَوا به نحوَ المَصدَرِ مِن "خَرْجِ الرأسِ"، وذلك جُعلُه. وقرَأتْه عامَّةُ قرأةِ الكوفيِّين:


(١) الأَرز، ويُضمّ: شجر الصنوبر. وهو شجر عظيم صُلب، دائم الخُضرة، يعلو كثيرًا. ينظر تاج العروس، والمعجم الوسيط (أ ر ز).
(٢) أخرجه نعيم بن حماد في الفتن (١٦٤٧) عن ابن وهب، عن معاوية، عن يحيى بن جابر وحدير بن كريب - وهو أبو الزاهرية، عن كعب وشريح به.
(٣) سقط من: م.
(٤) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ف: "في الناس".
(٥) هي قراءة ابن كثير ونافع وعاصم وأبي عمرو وابن عامر. ينظر السبعة في القراءات ص ٤٠٠.