للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لي غُلامٌ، ومن أيِّ وجهٍ يكون لي ذلك، وامرأتى عاقرٌ لا تَحبَلُ، وقد ضعُفْتُ من الكِبَرِ عن مباضعةِ النساءِ؟! أبأن تُقَوِّيَنى على ما ضعُفْتُ عنه مِن ذلك، وتجعلَ زوجتى ولودًا -فإنك القادرُ على ذلك، وعلى ما تشاءُ- أم بأن أنكِحَ زوجةً غيرَ زوجتى العاقرِ؟ يَسْتَثْبِتُ ربَّهُ الخبرَ عن الوجه الذى يكونُ من قِبَلِه له الولد الذى بشَّره الله به، لا إنكارًا منه حقيقةَ كون ما وعده الله من الولدِ، وكيف يكون ذلك منه إنكارًا لأنْ يَرْزقَه الولد الذى بشَّره به، وهو المُبتدِئُ مسئلةَ ربِّه ذلك بقوله: ﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾. بعد قوله: ﴿إِنِّي وَهَنَ الْعَظمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾؟!

وقال السدىُّ في ذلك ما حدَّثنى موسى بن هارون، قال: ثنا عمرٌو، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّديِّ، قال: نادى جبريل زكريا: إِنَّ اللهَ يُبشِّرُك بغلام اسمه يحيى لم يَجعَلْ (١) له مِن قبل سميًّا. فلما سمِع النداءَ جاءَه الشيطان فقال: يا زكريا، إن الصوت الذى سمِعتَ ليس من الله؛ إنما هو من الشيطانِ يَسْخَرُ بك، ولو كان مِن اللهِ أوحاه إليك كما يُوحى إليك غيره من الأمر. فشك مكانه (٢) وقال: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾. يقولُ: من أين يكون ﴿وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ﴾ (٣) [آل عمران: ٤٠]؟!

وقوله: ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾. يقولُ: وقد عَتَوتُ مِن الكِبَرِ فصرتُ نَحِلَ العظامِ يابسَها.

يقالُ. منه للعودِ اليابس: عودٌ عاتٍ وعاسٍ. وقد عتَا يَعْتُو عِتِيًّا وعُتُوًّا، وعَسَى


(١) في م: "نجعل".
(٢) سقط من: ت ١، ف، وفي ص بياض يسع كلمة.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٤٤ (٣٤٧٣) من طريق عمرو به.