للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويوسفُ يَخدُمانِ في ذلك المسجدِ في ذلك الزَّمانِ، وكان لخدمته فضلٌ عظيمٌ، فرَغبَا في ذلك، فكانا يليان معالجتَه بأنفسهما [وتجميرَه] (١) وكُناسته وطُهُورَه، وكلَّ عملٍ يُعمَلُ فيه، وكان لا يُعلَمُ (٢) مِن أهل زمانهما أحدٌ أشدُّ اجتهادًا وعبادةً منهما، فكان أوَّلَ مَن أنكَر حَمْلَ مريمَ صاحبها يوسفُ، فلما رأى الذى بها استعظمه (٣) وعظم عليه، وفَظع به، ولم يدر على ماذا يَضَعُ أَمرَها، فإذا أراد يوسفُ أن يتَّهمَها ذكر صلاحها وبراءتها، وأنها لم تغب عنه ساعةً قط، وإذا أراد أن يُبرئَها رأَى الذى ظهر عليها، فلما اشتدَّ عليه ذلك كلّمها، فكان أوَّلَ كلامه إيَّاها أن قال لها: إنه قد حدث في نفسي من أمرك أمرٌ قد خشِيتُه، وقد حرصت على أن أُمِيتَه وأَكْتُمه في نفسى، فغلبني ذلك، فرأيتُ الكلام فيه أَشْفَى لصدرى، قالت: فقل قولا جميلًا، قال: ما كنتُ لأقول لكِ إلا ذلك، فحدثيني، هل يَنْبُتُ زرع بغير بذرٍ؟ قالت: نعم. قال: فهل تَنبُتُ شجرةٌ مِن غيرِ غيثٍ يُصِيبُها (٤)؟ قالت: نعم. قال: فهل يكون ولدٌ من غير ذَكَرٍ؟ قالت: نعم. قالت (٥): ألم تَعلَمُ أن الله أَنْبَتَ الزَّرع يومَ خلقه من غير بذرٍ؟ والبذر يومئذ إنما صار من الزرع الذي أَنْبَتَه اللهُ مِن غيرِ بذرٍ، أَوَلم تعلمْ أن الله بقدرته أنبتَ الشجر بغير غيثٍ، وأنَّه جعل بتلك القدرة الغيثَ حياةً للشجر بعد ما خلق كل واحدٍ منهما وحده؟ أوْ (٦) تقول: لن يَقدِرَ الله على أن يُنبت


= جبل وذكره هكذا بتقديم الياء على الهاء. والله أعلم بالصواب". اهـ.
قلت: ولعلهما واحد، كما يحدث تقديم وتأخير في حروف غير هذا من الكلمات والمراد واحد. والله أعلم.
(١) في ص، ف: "وتخيره"، وفى م: "تحبيره"، وفى ت ١: "تحبره".
(٢) في ص، م، ت ١، ف: "يعمل".
(٣) في ص، م، ت ١، ف: "استفظعه". وينظر مصدر التخريج.
(٤) سقط من: ت ١.
(٥) سقط من: م، ف.
(٦) في ص، م، ت ١، ف: "أم". وينظر مصدر التخريج.